الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

قلبى على ولدى إنفطر... وقلب ولدى عليا حجر


أعترف بأن أكبر نشاط إجتماعى وخيرى قد رأيته على مستوى الجامعات كان فى الجامعة الأمريكية
ربما لأن هامش الحرية الممنوح للطلبة هناك أكبر قليلا من أى طلبة فى أى جامعة مصرية أخرى
وربما لأن معظم هؤلاء الطلبة ينتمون لطبقات أعلى فى المجتمع تمتلك من العلاقات والأموال ما يساهم بشكل كبير فى إنجاح مثل تلك المشروعات والأنشطة الخيرية التى يقومون بها

كنا قبل رمضان بأيام قليلة وكانت هناك حملة داخل الجامعة لعمل مايسمى بشنطة رمضان ....كانت الفكرة لاتزال حديثة تماما فى المجتمع وكان الهدف المطروح فى كل إعلانات تلك الحملة هو عمل 1000 شنطة لتوزيعها فى منطقة عشوائية تقع بعيدا جدا جدا عن قلب القاهرة

سعدت جدا بالفكرة وقررت أنا وأصدقائى الإشتراك بها ولكن أثناء مرورى بجوار سور الجامعة لفت إنتباهى وجود سيدة مسنة تجلس على الرصيف وأمامها علب قليلقة من البسكويت والمناديل الورقية والتى تبيعهم

كنت قد تذكرت أحد أساتذتى الأفاضل فى مدرستى الثانوية- عندما كان المعلم فى المدرسة له سلطة الأب والقائد والمربى - عندما كان ينصحنا دائما بأنه عندما نشترى شئ وهناك عدة أشخاص أو أماكن متجاورة تبيعه...فمن الأفضل أن نشتريه من المحل الذى ليس عنده زبائن كثيرة طالما أن المنتج وصلاحيته واحدة

وإذا كان هناك رجل وسيدة يقومان بنفس نشاط البيع فمن الأفضل أن نشتريه من السيدة لأنه ما إستدعى خروجها للرصيف لتجلس عليه وتبيع شكولاتات وبسكويت ومناديل معرضة نفسها للشارع وأخلاقياته المنحدرة ومضايقاته لهو أكيد سبب قوى جدا وحاجة شديدة للمال

تذكرت تلك النصيحة وأخبرت بها أصدقائى وتوقفنا لشراء بعض الأشياء من تلك السيدة الجميلة ....
ام سيد

مسنة فى الثمانين من عمرها ... مرحة لدرجة مذهلة... ودمها خفيف بشكل لافت.... وتعرفنا عليها وعلى حكايتها الموجعة

أم سيد من قرية بجوار شبرا الخيمة ... كان لديها إبنة فاطمة.... وإبن وهو الأستاذ سيد ... ربتهم بمعاش زوجها المتوفى منذ سنوات طويلة..

تزوجت فاطمة فى إمبابة وأنجبت 3 أبناء.... وظلت أم سيد فى منزلها فى قريتها ومعها إبنها سيد
وقررت أم سيد تفرح الفرحة الكبيرة ... بعد حصول سيد على شهادة الدبلوم وعمله بإحدى مصانع شبرا الخيمة
لذا قامت بتزويجه من فتاة من قريتهم ...وأقام معها سيد وزوجته الجديدة

وبعد شهور ستة طفت المشاكل على السطح بين أم سيد .... المالكة الأصلية للدارولسيد.... وبين زوجة سيد ...المالكة الجديدة للدار ولسيد أيضا ...!!!

وقررت الأم والزوجة أنه لا حياة معا تحت سقف واحد بعد الآن

لذا تم تقرير مصير أم سيد وترحيلها لتحيا مع فاطمة وأولادها فى إمبابة بعد وفاة زوج فاطمة العامل البيسط باليومية فى أحد المصالح الحكومية

ومن هنا بدأ نشاط أم سيد التجارى .... وإضطرت وهى فى السبعين من عمرها للخروج لسوق تالعمل لتبيع البسكويت والمناديل على الرصيف ... وترجع لبنتها وأحفادها يوميا بذكرياتها مع البلدية والعساكر اللى بتجرى منهم حاملة بضاعتها حتى لا تصادر...!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

ثم توفت فاطمة .... وصارت أم سيد المسئولة عن تربية أحفادها ....وظل الحال على ماهو عليه وربتهم هم أيضا
ولكن ولأن الفيلم مصرى أصيل وليس تقليد .... فصاحب الشقة ...أقصد الغرفة التى كانت تحيا فيها فاطمة وزوجها وأولادها ...كان قد قرر طرد أم سيد وأحفادها وكفاية صبر عليهم سنة بعد موت فاطمة

ولأن الطبقة الوسطى تواجه صعوبة بالغة فى الحصول على شقة ....فالأمر بالنسبة لأم سيد قد صار مستحيل ومحتاج ليلة القدر

لذا قررت أن تسكن مع أحفادها فى جراج مجاور للجامعة الأمريكية .... مكان نشاطها التجارى
وكبر أحفادها الأول والثانية وتبقى الثالث فى التعليم الإبتدائى...... تزوج الأول والثانية وعادوا لقريتهم ومعهم أخوهم الصغير ... وأهو يزرع الأرض مع أخوه

طب وأم سيد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟...............

ظلت تسكن الجراج بمفردها مساء وتزاول عملها صباحا... وأهى ماشية وربنا الرزاق

مات الراجل الطيب صاحب العمارة التى يقع بها الجراج.... وجاء الورثة وقرروا طرد أم سيد.... وتوسط أهل الخير لتظل فى الجراج ولكنهم رفضوا

خلاص بقى مابدهاش يا أم سيد وصفى أعمالك التى لا تتجاوز عدد 2 علبة بسكويت شمعدان أحمر وأصفر على دستتين مناديل وكرتونة شيبسى... وإرجعى لبيتك وإستحملى زوجة سيد حتى يتوفاكى الله

عادت أم سيد لقريتها وبيتها ...اللى كان بيتها... وبقى بيت زوجة سيد

شهر ونصف وفجأة ظهرت أم سيد ثانية تزوال نشاطها على رصيف الجامعة الأمريكية
فرحنا بها وتساءلنا لماذا عادت وكانت الطامة الكبرى.....

تحالف سيد وزوجته على طرد أمه من بيتها ... بدأوا أولا فى حرمانها من الأكل معهم وتحديد إقامتها فى سريرها وياويلها ياسواد ليلها لو دخلت الحمام وإحتاجت زوجة سيد الحمام فى نفس الوقت

ثم تطور مسلسل التطفيش ليصبح إخفاء الأكل عنها والإكتفاء بتقديم العيش والجبنة والفول لها كوجبة مكررة طول النهار...
وعندما تساءلت أم سيد ...إيه ده يابنى .....
يرد سيد ....نعمل إيه ياأمه ....رزقنا قليل وعيالنا كثير والجاى على قد اللى رايح
تسأل أم سيد ...بس يابنى أنا شميت إمبارح ريحة تحمير فراخ
يرد سبع البرمبة غاضبا ...فراخ إيه ياأمه ...إنت بتخرفى ...هو إحنا لاقيين العيش الحاف

وبمرور الأيام تدرك أم سيد الحقيقة .... المسموح لها من الطعام هو الكفاف وحتى عندما تأتى حفيدتها لزيارتها حاملة معها هدية لجدتها فرخة مذبوحة تستولى عليها زوجة سيد وتصبح ملك لسيد وزوجته وأم سيد لها ربنا بقى

وتنتهى تلك المأساة بيوم حزين كلما تذكرته أم سيد تبكى بحرقة
إتهمتها زوجة سيد بسرقة فلوس كانت تخفيها فى علبة فى دولابها... وإنهارت أم سيد وإنفجرت في زوجة إبنها صارخة مستنكرة كيف تفكر فى ذلك وتتوعدها بأنها ستخبر إبنها سيد عندما يعود ليؤدب زوجته ويعلمها كيف تتعامل مع أمه

ويعود سيد... وليته لم يعد
تبادره زوجته بالصراخ والعويل وأمك بتكرهنى ياسيد وربنا ماأنا عايشة معها بعد كده وبيت أبويا أولى بيا
وللأسف يصدق سيد كل ماقيل له من زوجته ... ومعلهشى ياامه إرجعى مصر تانى.. علشان بيت إبنك ماينخربش

طب أرجع فين ياسيد ...والجراج خلاص إتطردت منه.... يا أمه ربنا كبير حتلاقى جراج غيره

وتعود أم سيد ليس لتعمل فقط ولكن لتسكن الرصيف خلف كشك الكهرباء مفترشة الأرض وملتحفة السماء

كنت أنهار عندما نكون فى عز البرد وليالى الشتاء القاسية وأفكر فى أم سيد النائمة فى الشارع بدون حتى تندة تحميها.... وأنا ألتف فى عدة طبقات من الغطاء الثقيل وأتذمر من البرد

كيف تنامين يا أم سيد والدنيا ثلج كده والهواء عاصف والأمطار تهطل طيلة الليل

بعد أحد المحاضرات وبعد أن قلت لزملائى قصة تلك السيدة الحديدية ، طلب منى صديقى الطيب الذى يعمل بالسلك الدبلوماسى وينتمى لعائلة عريقة بأن أصحبه لتلك السيدة......

أعطاها نقود ونزل على الأرض وقبل يدها وسألها إنتى موش عاوزة حاجة يا أمى ؟؟؟....
ردت... يابنى نفسى بس فى بطانية... لو يعنى قدرت تجيب لى بطانية قديمة مقطعة موش محتاج لها وأنا اخيطها يبقى كثر خيرك

جاء تانى يوم صديقى أحمد ببطانيتين جديدتين فاخرتيين وطلب منى الذهاب معه....
ضحكت قائلة:- والله إنت حتموت الست دى النهاردة...
سألنى مستغربا :- ليه؟؟؟؟؟؟؟؟
قلت :- ياعم حرام عليك... بطانية ناعمة جديدة وثمن الواحدة يكفى أم سيد أكل لمدة 3 شهور وتقولى تفتكرى تعجبها

طبعا الست طارت من الفرح وكان موقف مؤثر جدا.... وسافر أحمد للولايات المتحدة ودائما ماكان يوصينى عليها ويعطينى مال لها

وفى يوم ... ذهبت لزيارتها وقلت لها عندما لاحظت إختفاء أحد البطانيتين... " أمال فين التانية ياأم سيد...إنت بعتيها ولا إيه؟؟؟؟"...... ردت ضاحكة......... لأ ربنا رزقنى بواحد حرامى باين عليه كان جاى من طرف مرات إبنى وإستخسر فيا البطانية أو كان بردان قوى وشدها من عليا وطار

علشان كده أخذت بالى وبقيت أنام على نصف بطانية وأتغطى بالنصف الثانى


يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه .... متى سنحمد ربنا على نعمته
أم سيد بقالها 5 سنين فى الشارع ... فى نفس المكان لمن يحب أن يراها
سلاموا عليكم

هناك 3 تعليقات:

Dr. Eyad Harfoush يقول...

لو كان الفكر رجلا لقتلته، و لكن ألم يتجسد الفقر في بلادنا في صورة عدة رجال يروجونه و يسوقونه في كل ربوع مصر؟ هاهو الفقر قد تجسد رجالا، و لكن لا علي لهم و لا ذو الفقار
تحياتي و تقديري للمقال و كاتبته و لام سيد

Dr. Eyad Harfoush يقول...

سوري لو كان الفقر طبعا، و ليس الفكر هههه

Meero Deepo يقول...

عزيزى د.إياد

إتضح لى مؤخرا أنى تلميذة نجيبة لسيادتك .. فأنا أعتدت أن أرد على من يقول لو كان الفقر رجلا لقتلته بما رددت أنت به من ان الفقر أصبح رجال هم المسؤلون عن وجوده فى مصر
هم من أفقر هذا الشعب ...ماديا ومعنوياأيضا للأسف

فماديا مفهومة ومعنويا لأن الفقر الحاد فى الروح المصرية الأصيلة بأخلاقياتها هى أيضا نتاج أفعال بعض النخبة الذين غرسوا فينا الخضوع والخنوع ومهادنة العدو

تصدق إنها تمشى بحرف الكاف برضه لتصبح لو كان الفكر رجلا لقتلته..

فمشاهد القتل فى غزة وردود الفعل العربية تجعل أى عقل بشرى عاجز عن الإستيعاب وقد ينفجر من التفكير ...فمابالك بالمثقف العربى الذى يملك توجهات فكرية ورسالة يدافع عنها!!!1

أشكر تعليقك وأعتذر بشدة أنى لم ألحظه فى حينه يا صديقى العزيز