الأحد، 22 فبراير 2009

أمنية حسن ....(4)


....أخر الحكاية ....
أمنية حسن كانت قد بدأت فى العلاج الطبيعى لمدة ستة أشهر وقاربت على أن تعاود المشى على قدميها ثانية
وبدأت تستعد لإمتحان السنة النهائية لها فى الكلية والتى كان من المفروض أن تتخرج منها منذ 4 سنوات
وبدأت تستعيد قدرتها على الحلم والأمل وفارس الأحلام....
" ويلا بقى يادكتورة نفسى أخف علشان المرض أخرنى عن الزواج قوى قوى قوى ...هههههههههه"
كما كانت تقول لى ضاحكة ...فأرد عليها أنا
.." طب موش عيب ...موش لما أتجوز أنا الأول يا أمنية"
فترد ساخرة ..." لأ ماليش دعوة ...إنت براحتك بقى ...أنا مستعجلة... وشكلى حأتجوز دكتور العلاج الطبيعى "
.........
أمنية الآن فى القصر العينى للمرة المليون وتستعد لإجراء عملية خامسة فى العمود الفقرى فى قسم 26 مخ وأعصاب ...لأن الورم عاود الإنتشار وبدأ فى الضغط ثانية على الأعصاب
وعلى الرغم من ذلك مازال لديها الأمل والقدرة على الحلم
ربنا يشفيكى يا أمنية ....أنت وكل مريض

امنية حسن ....(3)




كنت قد حزمت أمرى على الذهاب لها فى المستشفى وكان أمامى مشكلتين عويصتين

اولا المبلغ الذى سمعته فى الحلم لم يكن معى كله......فتلك الألفى جنيه لم تكن متوفرة وقتها من فلوس التبرعات التى يرسلها الله لى عن طريق عباده الذين يحبون الخير ويثقون فى أنى سأحسن التصرف فى تلك الأموال كمندوبة عنهم

ولم تكن مشكلة عويصة قوى الحقيقة لأن المبلغ الموجود كان ينقصه بعض المئات فقط لتتم الألفين جنيه وقلت سهلة حاطلبهم من والدى حتى أحصل على مرتبى بعد أيام وأردهم له كيلا أتأخر على الذهاب للفتاة

المشكلة الثانية كانت هو الأصعب ...
عندما ذهبت الموظفة لمنزل الفتاة لم تجد أحد بالمنزل ولكن كل ماحصلت عليه من معلومات كان من الجيران بالتالى فلا أحد يعلم تحديدا إذا كانت فى مستشفى عين شمس التخصصى أو فى الدمرداش وكذلك لا أحد يعلم فى أى قسم هى محجوزة هل هو قسم جراحات الأورام أم قسم جراحات المخ والأعصاب...ومحاولة البحث عنها فى تلك المستشفيات كلها كمن يبحث عن إبرة فى كومة قش فعلا

المهم توكلت على الله وقلت خلاص ربنا أكيد حيسهل وصولى لها
وقررت الذهاب يوم الجمعة 29 مارس صباحا أثناء ميعاد الزيارة لأتمكن من البحث عنها

يوم الأربعاء مساء كنت فى زيارة عائلية ..وتحدثت مع ربة الأسرة عن أخبارى وأحوالى وعملى فى مكانين مختلفين تماما ...و...و... ثم فؤجئت بالسيدة الطيبة تقول لى

" أميرة من فضلك خدى المبلغ ده معاكى لو لقيت عيان غلبان فى المستشفى محتاج علاج إشتريه له"

شكرتها وقلت يافرج الله ...هانت والمبلغ قرب يتم


يوم الخميس كنت فى الجامعة الأمريكية لأداء بعض الأعمال وتوديع صديق كان يستعد للهجرة وجلست معه وتحدثنا كثيرا وخلال الحديث عرف بمشوارى صبيحة اليوم التالى لأنى سألته وهو خريج كلية طب عين شمس عن كيفية أن أتوصل للفتاة فى تلك المنشآت التى تشبه سيتى ستارز !!!

فى نهاية الحديث وبينما كنت أستعد للمغادرة فاجئنى صديقى بقوله " أميرة أنا كنت أتمنى أن أذهب معك غدا ولكن للسف وقتى ضيق جدا وورائى إلتزامات كثيرة للسفر ...ممكن لو سمحتى وتكرمتى تضيفى هذا المبلغ للمال الذى ستذهبين به للفتاة "

وكان ما أخرجه من جيبه هو بالتمام والكمال ماينقصنى ليتم المال 2000 جنيه

لم أنطق بكلمة ولكنى نظرت أليه طويلا متأثرة بمافعله وحاولت متحرجة شكره وعدم قبوله وسألنى لماذا أنت مندهشة
هل أنت مندهشة لأنى مسيحى وتلك الفتاة مسلمة ؟؟؟..... تلعثمت فعلا ولم أستطع الكلام
وهمهمت بكلمات مقتضبة وقلت له أعتقد أنك تفضل أن تخرج ذلك المبلغ لمريض أخر يكون أكثر إحتياجا
تبسم ذلك الصديق الطيب قلبا وقالبا وقال ...أميرة ... المريض مريض والمحتاج محتاج والغلبان غلبان وربنا هو ربنا والدين لله... إحنا بنعمل الخير لنفسنا علشان ده بينفعنا إحنا قبل مابينفع الناس التانية... المهم ربنا يقبله

ذهبت صبيحة يوم الجمعة لأمنية وتهت بين المستشفيات والأقسام المختلفة حتى ظننت أنى لن أجدها وعنده كان آذان صلاة الجمعة رفعت يدى للسماء وطلبت من الله " يارب .... كل واحد دفع مليم فى الفلوس دى كان يقصد يطهر نفسه ونفسه تقبل منه وترضى عنه.... إذا كنت تقبلت من كل الناس دى يارب إهدينى لها والاقيها...وإذا كنت لم تقبل من أحد منا إصلح حاله حتى ترضى يارب ونلاقى البنت الغلبانة دى"

لم أكد أنزل يدى وأنا شبه يائسة حتى فؤجئت أمامى بممرضة ضئيلة الحجم تنده عليا من أخر طرقة المستشفى ...يا أبلة يا أبلة ..... إنت دوختينى وراكى .... إنت بتدورى على البنت بتاعة المحلة الكبرى.... قلتلها أيوة ...قالتلى طيب إدخلى العنبر اللى جنبك يمين فى شمال ثم أول سرير أمامك

إستدرت....دخلت ..... يمين ....شمال.... عنبر وستائر حول الأسرة
قلت وأنا اتجه لأول ستارة لأزحيها عن السرير ...تقبل يارب ...تقبل يارب ...يارب تقبل

أزحت الستارة ........ووجدتها !

إنفجرت فى البكاء وإحتضنتها قائلة ياشيخة دوختينى وراكى


..................................

سافر صديقى بعدها بأيام ولت أتمكن من توديعه ثانية ولكنى قبل ركوبه الطائرة بدقائق حادثته وقلت له لا تخاف من الدنيا الجديدة اللى انت رايح لها ....ربنا معاك وتقبل منك
بعدها ولمدة سنتين مرت على هجرته كلما يهاتفنى من مهجره يصف لى غير مصدق كم يسهل له الله كل شئ كما لو كان له واسطة أو يحمل كارت توصية من الأمم المتحدة..ويختتم كلامه ... سلملى لى على أمنية

ثم جاء يوم إشتد عليها الألم بعد إحراء العملية بشهور وتذكرت أنه كان لديها موعد للكشف عند ذلك الطبيب المشهور وإتصلت بالعيادة لتجديد ميعاد الكشف وطلبوا منها الجضور وقتما تستطيع

طبعا كانت مأساة لنقلها من المنزل بعد عملية خطيرة فى العمود الفقرى لمستشفى فى القاهرة التى تبعد عن منزلها نحو 120 كيلو متر

ولكن فاعل خير تطوع بنقلها بسيارة إسعاف مجهزة وكان ميعاد الكشف عند الطبيب هو الثانية عشر مساء

ذهبت أمنية وبمجرد دخولها للطبيب المشهور د.عمرو صفوت رئيس قسم المخ والأعصاب وقتها بالقصر العينى ...أصر على عدم تحركها وجلس هو على الأرض بجوارها ليتم الكشف عليها

أصر ذلك الطبيب الإنسان أن يعيد لها ثمن الكشف وكان حوالى 200 جنيه وقام فورا بإلإتصال بمستشفى لإيجاد سرير خالى لها على حسابه ...وبعد 4 ساعات كاملة قام بالذهاب معها للمستشفى وقام بدفع تكاليفها وتكاليف الإسعاف الذى نقلها !!!!!!!!!1

ثم قام بترتيب العملية لها وإختفى من حياتها دون أن يسمع كلمة شكر واحدة كما لو كان ملاك حارس ظهر لعلاجها وتكليف تلميذه بمتابعتها ثم ذهب ليبحث عن مريض أخر ينقذه

كم أتمنى أن أقابل ذلك الطبيب الإنسان لأشد على يده

ثم بعد سنوات عدة سمعت إسمه بالمصادفة فى برنامج البيت بيتك لمحمود سعد يقول أنه الآن مسؤل عن قسم المخ والأعصاب بمستشفى أبو الريش ويقوم بحملة لجمع التبرعات لوحدة حديثة به لخدمة الأطفال المرضى

يا الله ....... كم هو بسيط الخير فى المجهود الذى يبذل فيه وعظيم فى أثاره على الناس وصلاح الأرض

وكم كنت أنت كنز للجميع يا أمنية

أمنية حسن ...(2)


ماشعورك عندما تكون سائر فى أمان الله فى الشارع ....وفجأة يقابلك مذيع وكاميرا تصوير ويخبروك بأنه ألف مليون مبروك كسبت مليون جنيه خالصة الضرائب ؟

كم ستكون فرحتك بمصباح علاء الدين ...تجده ....تلمعه ...ويخرج لك منه المارد يهديك الكنز المدفون لك وحدك ؟

أمنية حسن .... هى المصباح ...والمارد ....والكنز المدفون !

تلك الفتاة هى كنز كنت أمشى فى طريقى ووجدته ....صندوق ملئ بالكنوز لم يتوقف عطاؤه حتى الآن بعد 4 سنولت كاملة

أمنية لم تكن كنز لى وحدى ولكنها كنز لكل من أراد الله أن ينعم عليهم بهذا الرزق

كم تعلمت منك يا أمنية ............ كيف أشكرك على عطاؤك وهديتك يارب ؟

عندما أقول أن أمنية كنز ....فأنا أعنى فعلا ما تحمله الكلمة من معانى
ولكنها كنز حقيقى ليس كالنقود والذهب تنتهى قيمتها بتصرفنا فيها
أمنية هى كنز من الحسنات والثواب وطريق خير مفتوح متسع كالطرق السريعة الأمريكية لا حد للسرعة فيها
أمنية كانت كنز لكل من عرفها وحتى من لم يعرفها


رأيت بعينى كم كان أناس يتسابقون لدفع تكاليف علاجها وهم لا يعرفونها حتى ولا يهتمون بمعرفتها
رأيت بعينى أناس كنت أحسبهم من القاسية قلوبهم يتحولون إلى جوعى وعطشى للثواب والرضا من الله بدون تحايل ولا رياء

رأيت بعينى ما نصطلح على تسميته ...( تساهيل ربنا ) فى كل ما يخص تلك الفتاة من أمور
تكون مستعصية عادة ولكن بمجرد أن تكون لها تلك الأمور والتعقيدات الإدارية فكل شئ ينفرج بإسم الله وبإذنه

أمنية حسن ........ إذا لم أكن مؤمنة بوجود الله لآمنت به وبقدرته لمجرد معاصرتى لقصة تلك الفتاة
أمنية حسن ........ إذا كان زمن المعجزات الإلهية قد ولى فإنها المعجزة التى تدل على أننا نحيا فى كون وملكوت الله وهو وحده المالك المتصرف فى شئون عباده

..... توقفت فى البوست السابق عند مقابلتى للموظفة الطيبة وإخبارى بما حدث وحقيقة مرض أمنية
وكيف أن الطبيب المعالج نصحها بأن تذهب لطبيب مشهور هو د.عمرو صفوت رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بالقصر العينى لأنه الوحيد الذى يمكنه أن يقوم بمثل تلك العملية الصعبة الدقيقة لتخليص الأعصاب والحبل الشوكى من الورم الملتف حوله

حاولت الفتاة أن تحجز موعد للكشف عند الطبيب ولكنها فحلت بصعوبة فى حجز موعد بعد شهرين !
حاولت الموظفة والفتاة وأنا فى تقديم ميعاد الكشف ولكن فشلت محاولاتنا جميعا
أخبرتها أن تهاتفنى إذا إحتاجت أى شئ وأن تبلغنى بنتيجة الكشف وماسيقوله الطبيب لها

مرت الأيام وإنشغلت بأمورى وسفرى ودراستى وذات يوم لا أنساه ابدا
الأربعاء 27 مارس 2006... قررت ألا أذهب للمستشفى لأكمل نومى وكسلى البغيض كما لو كنت طفلة تتحين الغياب من الحضانة
أقسم بالله العظيم أن ما سأرويه هو بعينه ماحدث ...
رايت حلما عجيبا بأن صلاة الظهر قد حان وقتها وأن المؤذن بعد رفع الأذان يقول إن أمنية حسن محجوزة فى مستشفى عين شمس وتحتاج لألفى جنيه لأنها ستجرى عمليتها بعد أيام

إستيقظت مضطربة جدا ..... انا لا أدعى أنى من أولياء الله الصالحين ولا أنى أصلا من الصالحين !!!
ولكن أحلامى غالبا غالبا ماتتحقق ولا أعلم تفسير لذلك

المهم أنى كنت أفكر فى الأمر ... أمنية إيه اللى حيوديها عين شمس ... أولا الطبيب يعمل بجامعة القاهرة يعنى حتى لو كانت قد ذهبت للكشف فهى الآن محجوزة فى القصر العينى
ثم إن موعد كشفها لايزال أمامه شهر كامل

أكيد أضغاث أحلام ...!!

لم أرتاح طيلة النهار من التفكير ... وإكتشفت أنى نسيت فى خضم مشاغلى أن أحصل على تليفون منزلها ...إهتممت بأن أعطيها أرقامى ولم أهتم بأخذ تليفونها ....وكان هذا درس قاسى جدا
فأنا إكتفيت بأنى أبديت لها إستعدادى لمساعدتها عندما تحتاجنى ونسيت أنه كان من الواجب أن أطمئن عليها من الوقت للاخر....فمن يدرينى لعلها شعرت بالحرج من أن تتصل بى

لمت نفسى ولكنى تذكرت الموظفة الطيبة وإتصلت بها وأخبرتها بالحلم وتعجبت هى الأخرى وقالت لى خلاص يادكتورة ولا يهمك أروح لها منزلها وأسال عليها

وذهبت ويالهول المفاجأة....

أمنية تدهورت حالتها جدا وأصبحت غير قادرة على الحركة وصراخها لم يعد ينقطع والجيران تطوعوا بأن يأخذوها لمستشفى عام فى تلك المدينة الإقليمية وطلبوا مساعدة أحد أعضاء مجلس الشعب !!!!... ليتوسط لها عند إدارة المستشفى لتحويلها لمستشفى جامعى أو تعليمى فى القاهرة

وفعل الرجل مشكورا وتم تحويلها لمستشفى ...الدمرداش أوعين شمس التخصصى والتى قرر الأطباء إجراء العملية لها فى أسرع وقت ممكن !

يااااااااااااااااااااه..... الحلم كان رؤية صالحة من عند الله....ليس لأنى من أولياؤه للأسف ولكنى من عباده وأمنية هى الأخرى من عباده وأول كنز حصلت عليه من صندوق أمنية هو أن أكون ممن يجعل الله قضاء حوائج الناس على أيديهم

........و للحديث يقية

الجمعة، 20 فبراير 2009

أمنبة حسن ...(1)


البعض منا يعشق لعب دور القاضى الذى يصدر الأحكام ... بدليل عندما يجتمع بعض الناس وتثار قضية معينة أو موضوع ما نجد الكل يتسابق لإصدار أحكامه والتى يقولها بشكل قاطع كما لو كان المتكلم هو الوحيد المبصر فى مجتمع العميان..وياسلام بقى لو كان الموضوع يتحمل تطبيق نظرية المؤامرة التى نؤمن بوجودها كعقيدة راسخة

مثلا .. أتذكر مقتل الأميرة ديانا ...الكل يدلى بدلوه ويبتكر الأسباب الخفية التى يعلمها المتحدث هو وفقط عن غير خبرة او علم او حتى ثقافة تحليلية... وكذلك الحال فى غزو العراق وحصار غزة ومقتل سوزان تميم وأزمة الرهن العقارى الأمريكى ..إلخ إلخ إلخ لانهائية والسيناريو واحد .... الحكم المسبق المقولب الجاهز

لم أندم على شئ فى حياتى كما ندمت على تقمصى بعض الوقت لتلك الشخصية التى تصدر الأحكام جزافا بدون وعى
ربما تخلصت من تلك العادة السيئة البغيضة
عندما كنت أسمع المقولة العامة التى يعرفها الجميع ولا ينفذها غير القليل ألا وهى " لا تصدر الأحكام جزافا ولا تفترض أشياء بدون علم "
Don’t be judgmental & Don’t assume

ولكن يظل الفضل لله عز وجل ثم ((( لها ))) فى تخلصى من تلك العادة .... أمنية حسن

أشعر بغصة فى حلقى عندما أتذكر ذلك اليوم...
أجلس فى مكتبى بالمستشفى خلال نهار يوم شتوى قارص البرودة أتأفف من البرد ومن عدم وجود تكيف فى المكاتب الحكومية وألقى بسؤالى المتذمر على أصدقائى ..." موش عارفة إمتى حايعاملونا كبنى آدميين ويجهزوا المكاتب كما ينبغى !!... يعنى البيه الظابط بتاع الأمن أول ماوصل إتفرش مكتبه سجاد وكراسى فوتيهات وتكييف والدكاترة الغلابة اللى طالع عينهم فى المستشفى دى مايستهالوش !!!...إفففف إستغفر الله العظيم"

ويدق شخص على الباب وأقول إتفضل .... تظهر سيدة فاضلة موظفة فى أحد إدارات كلية الطب التى تتبعها المستشفى وأرحب بها ولكنها كانت فى غاية الجزع وتقول لى ..." معلهشى يادكتورة من فضلك تعالى معايا الإستقبال ...يوجد طالبة فى الكلية كانت تؤدى إمتحان التيرم وكنت أراقب علي لجنتها أثناء الإمتحان وفجأة إنهارت وأخذت تصرخ بشدة من ظهرها وجلست على الأرض تصرخ بشكل هيستيرى وبصعوبة نقلناها للإستقبال ... يارب يخليكى وصى عليها زملائك لحسن دى حالتها صعبة قوى "

أذهب معها للإستقبال وأجد أمامى فتاة آية فى الجمال ...سبحان الله العظيم ... لو كان للرقة والبراءة عنوان لكانت تلك الفتاة عنوانها... تبكى وتصرخ بجنون وصديقاتها حولها ممسكات بيديها ويحاولوا يهدئوا من روعها...ولكنها لا تقول سوى آآآآآآه آآآآآه آآآآآآه ...كفاية موش قادرة آآآآه آآآآآه يارب أموت وأرتاح

أجزع لرؤيتها وأسأل عن حالتها ليبلغنى أصدقائى أنها تصرخ من ظهرها وغالبا لأنها ظلت جالسة مدة طويلة للمذاكرة وبالتالى مع برودة الجو ظهرت تلك الآلام على ظهرها ....

أطمئنها بأن حالتها بسيطة للغاية وكل ماتحتاجه هو حقنة مسكنة .....فتصرخ لأ لأ موش عاوزة موش حتخفف ألمى
أنا عارفة اللى بيريحينى ...عاوزة حقنة ( .......) المخدرة هى الوحيدة التى تذهب الألم عنى

وهنا .... تملكتنى الشخصية البغيضة التى تصدر الأحكام كما تتنفس الهواء بلا أدنى صعوبة ولا تفكير
وأقول فى نفسى ... آه أهلا ...... هو إنت منهم !!!... كل الفيلم الهندى ده علشان تأخذى حقنة المخدر التى لا تصرف الا بروشتة.... بقى الشبورة دى كلها علشان كده !

ولثانية خطر فى بالى أنه قد تكون البنت صادقة فعلا فى معاناتها وهناك مشكلة حقيقة فى ظهرها....سألت زميلى طبيب العظام ...موش يمكن البنت تعبانة بجد .... هى عملت أشعة؟
قالى لأ طبعا لأن جهاز الأشعة على وشك التعطل وبيشتغل فقط للحوادث ....!!!

أخبرت الموظفة التى جاءت بها أنها يجب أن تقوم بعمل أشعة لمعرفة سبب ذلك الألم المبرح التى ( تقول ) أنها تعانيه ...وكنت بداخلى لا أزال أشك فيها وكنت أقول فى نفسى على الأقل لو لم تكن مدمنة لهذا العقار فهى قد تكون ...بتتدلع أو حالة هيستيريا التى تصيب بعض الطالبات أثناء الإمتحانات بالذات لكسب تعاطف

شكرتنى الموظفة الطيبة وعاونت صديقات أمنية على أن تقوم وتخرج من المستشفى وتذهب لبيتها

نسيت القصة تماما لمدة أيام وأسابيع ثم ذات يوم قابلت تلك الموظفة الطيبة صدفة وسألتها عن الفتاة.... قالت لى ماصدمنى... قالت إنها أوصلت الفتاة لمنزلها مع صدبقاتها وقابلت أمها التى قالت لها أنها أحيانا ماكنت تصييبها تلك الحالة من الصراخ الهيستيرى على فترات متباعدة ولكنها إزدادت حدتها تلك الأيام مع دخول الشتاء القارص هذا
فسألتها الموظفة لماذا إذن لم تذهب للطبيب المتخصص ...ردت الأم أنها ذهبت ولكنه طلب أشعة معينة غالية الثمن جدا والفتاة رفضت عملها وإكتفت بالمسكنات لتمكنها من ممارسة عملها ....
عملها ؟؟!!!!...... أى عمل ؟...أليست طالبة بالكلية؟؟؟!!!
نعم طالبة ولكنها كان عليها أن تعمل منذ العام الأول لها بالكلية لتدبر نفقات كليتها ومساعدة أسرتها فى المعيشة وبالتالى عملت كمساعدة لمشرفة التمريض بأحد المستشفيات الخاصة ...!!!!
قالت لى الموظفة الطيبة أنها أصرت على القيام بمصاحبة الفتاة لعمل الأشعة والتى جمعت ثمنها من إعلان حالة إكتتاب عام بين موظفى شئون الطلاب بالكلية !!!!

يا الله ياولى الصابرين !..... أشعة ثمنها لا يتجاوز 3 ورقات مالية من فئة المئة جنيه تمثل مشكلة لأسرة ولفتاة ولموظفيين إدارة كاملة !!!!

يارب رحمتك بنا .... كيف ستحاسبنا على إهدارنا للمال بذلك الشكل المستفز ..... كم من أشياء نشتريها ونلقى بها بعد شراؤها لأننا غيرنا رأينا ولم نعد نراها جيدة

كم من أكلات وفاكهة وبواقى طعام يكون مصيره صندوق القمامة وهو يكفى لوجبة 3 أيام لأسرة كاملة !

كم من قطعة ملابس نشتريها بدون أن نقتنع بها ولا بثمنها الباهظ لمجرد أنها من ماركة معينة عالمية

ياربى ...300 جنيه ثمن أشعة تأخرت عملها لفتاة مريضة وأدت لتأخر علاجها كما سيتضح فيما بعد ونحن نشترى بأضعاف هذا المبلغ مالانحتاجه

300 جنيه ....كم من عشاء فاخر فى مطعم فاخر لشخصيين تناولوه ودفعوها ثمنا له

300 جنيه ..... كم من بقالة وشيكولاتات وسجائر نشتريها بذلك المبلغ بدون أدنى تفكير فى ضخامته

300 جنيه ... ثمن أشعة تأخرت أمنية فى عملها وأدت لإكتشاف أنها مصابة بورم خبيث إستوحش ويفترس خلايا أعصاب عمودها الفقرى

يا الله !!!.... أقسم بالله أنى أكره نفسى كلما تذكرت موقفى معها فى إستقبال المستشفىوعاهدت الله عز وجل ألا أنصب نفسى بعدها قاضيا على أحد.... لى من الناس ظاهرهم ولكن سرائرهم فى علم الله وحده

الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

قلبى على ولدى إنفطر... وقلب ولدى عليا حجر


أعترف بأن أكبر نشاط إجتماعى وخيرى قد رأيته على مستوى الجامعات كان فى الجامعة الأمريكية
ربما لأن هامش الحرية الممنوح للطلبة هناك أكبر قليلا من أى طلبة فى أى جامعة مصرية أخرى
وربما لأن معظم هؤلاء الطلبة ينتمون لطبقات أعلى فى المجتمع تمتلك من العلاقات والأموال ما يساهم بشكل كبير فى إنجاح مثل تلك المشروعات والأنشطة الخيرية التى يقومون بها

كنا قبل رمضان بأيام قليلة وكانت هناك حملة داخل الجامعة لعمل مايسمى بشنطة رمضان ....كانت الفكرة لاتزال حديثة تماما فى المجتمع وكان الهدف المطروح فى كل إعلانات تلك الحملة هو عمل 1000 شنطة لتوزيعها فى منطقة عشوائية تقع بعيدا جدا جدا عن قلب القاهرة

سعدت جدا بالفكرة وقررت أنا وأصدقائى الإشتراك بها ولكن أثناء مرورى بجوار سور الجامعة لفت إنتباهى وجود سيدة مسنة تجلس على الرصيف وأمامها علب قليلقة من البسكويت والمناديل الورقية والتى تبيعهم

كنت قد تذكرت أحد أساتذتى الأفاضل فى مدرستى الثانوية- عندما كان المعلم فى المدرسة له سلطة الأب والقائد والمربى - عندما كان ينصحنا دائما بأنه عندما نشترى شئ وهناك عدة أشخاص أو أماكن متجاورة تبيعه...فمن الأفضل أن نشتريه من المحل الذى ليس عنده زبائن كثيرة طالما أن المنتج وصلاحيته واحدة

وإذا كان هناك رجل وسيدة يقومان بنفس نشاط البيع فمن الأفضل أن نشتريه من السيدة لأنه ما إستدعى خروجها للرصيف لتجلس عليه وتبيع شكولاتات وبسكويت ومناديل معرضة نفسها للشارع وأخلاقياته المنحدرة ومضايقاته لهو أكيد سبب قوى جدا وحاجة شديدة للمال

تذكرت تلك النصيحة وأخبرت بها أصدقائى وتوقفنا لشراء بعض الأشياء من تلك السيدة الجميلة ....
ام سيد

مسنة فى الثمانين من عمرها ... مرحة لدرجة مذهلة... ودمها خفيف بشكل لافت.... وتعرفنا عليها وعلى حكايتها الموجعة

أم سيد من قرية بجوار شبرا الخيمة ... كان لديها إبنة فاطمة.... وإبن وهو الأستاذ سيد ... ربتهم بمعاش زوجها المتوفى منذ سنوات طويلة..

تزوجت فاطمة فى إمبابة وأنجبت 3 أبناء.... وظلت أم سيد فى منزلها فى قريتها ومعها إبنها سيد
وقررت أم سيد تفرح الفرحة الكبيرة ... بعد حصول سيد على شهادة الدبلوم وعمله بإحدى مصانع شبرا الخيمة
لذا قامت بتزويجه من فتاة من قريتهم ...وأقام معها سيد وزوجته الجديدة

وبعد شهور ستة طفت المشاكل على السطح بين أم سيد .... المالكة الأصلية للدارولسيد.... وبين زوجة سيد ...المالكة الجديدة للدار ولسيد أيضا ...!!!

وقررت الأم والزوجة أنه لا حياة معا تحت سقف واحد بعد الآن

لذا تم تقرير مصير أم سيد وترحيلها لتحيا مع فاطمة وأولادها فى إمبابة بعد وفاة زوج فاطمة العامل البيسط باليومية فى أحد المصالح الحكومية

ومن هنا بدأ نشاط أم سيد التجارى .... وإضطرت وهى فى السبعين من عمرها للخروج لسوق تالعمل لتبيع البسكويت والمناديل على الرصيف ... وترجع لبنتها وأحفادها يوميا بذكرياتها مع البلدية والعساكر اللى بتجرى منهم حاملة بضاعتها حتى لا تصادر...!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

ثم توفت فاطمة .... وصارت أم سيد المسئولة عن تربية أحفادها ....وظل الحال على ماهو عليه وربتهم هم أيضا
ولكن ولأن الفيلم مصرى أصيل وليس تقليد .... فصاحب الشقة ...أقصد الغرفة التى كانت تحيا فيها فاطمة وزوجها وأولادها ...كان قد قرر طرد أم سيد وأحفادها وكفاية صبر عليهم سنة بعد موت فاطمة

ولأن الطبقة الوسطى تواجه صعوبة بالغة فى الحصول على شقة ....فالأمر بالنسبة لأم سيد قد صار مستحيل ومحتاج ليلة القدر

لذا قررت أن تسكن مع أحفادها فى جراج مجاور للجامعة الأمريكية .... مكان نشاطها التجارى
وكبر أحفادها الأول والثانية وتبقى الثالث فى التعليم الإبتدائى...... تزوج الأول والثانية وعادوا لقريتهم ومعهم أخوهم الصغير ... وأهو يزرع الأرض مع أخوه

طب وأم سيد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟...............

ظلت تسكن الجراج بمفردها مساء وتزاول عملها صباحا... وأهى ماشية وربنا الرزاق

مات الراجل الطيب صاحب العمارة التى يقع بها الجراج.... وجاء الورثة وقرروا طرد أم سيد.... وتوسط أهل الخير لتظل فى الجراج ولكنهم رفضوا

خلاص بقى مابدهاش يا أم سيد وصفى أعمالك التى لا تتجاوز عدد 2 علبة بسكويت شمعدان أحمر وأصفر على دستتين مناديل وكرتونة شيبسى... وإرجعى لبيتك وإستحملى زوجة سيد حتى يتوفاكى الله

عادت أم سيد لقريتها وبيتها ...اللى كان بيتها... وبقى بيت زوجة سيد

شهر ونصف وفجأة ظهرت أم سيد ثانية تزوال نشاطها على رصيف الجامعة الأمريكية
فرحنا بها وتساءلنا لماذا عادت وكانت الطامة الكبرى.....

تحالف سيد وزوجته على طرد أمه من بيتها ... بدأوا أولا فى حرمانها من الأكل معهم وتحديد إقامتها فى سريرها وياويلها ياسواد ليلها لو دخلت الحمام وإحتاجت زوجة سيد الحمام فى نفس الوقت

ثم تطور مسلسل التطفيش ليصبح إخفاء الأكل عنها والإكتفاء بتقديم العيش والجبنة والفول لها كوجبة مكررة طول النهار...
وعندما تساءلت أم سيد ...إيه ده يابنى .....
يرد سيد ....نعمل إيه ياأمه ....رزقنا قليل وعيالنا كثير والجاى على قد اللى رايح
تسأل أم سيد ...بس يابنى أنا شميت إمبارح ريحة تحمير فراخ
يرد سبع البرمبة غاضبا ...فراخ إيه ياأمه ...إنت بتخرفى ...هو إحنا لاقيين العيش الحاف

وبمرور الأيام تدرك أم سيد الحقيقة .... المسموح لها من الطعام هو الكفاف وحتى عندما تأتى حفيدتها لزيارتها حاملة معها هدية لجدتها فرخة مذبوحة تستولى عليها زوجة سيد وتصبح ملك لسيد وزوجته وأم سيد لها ربنا بقى

وتنتهى تلك المأساة بيوم حزين كلما تذكرته أم سيد تبكى بحرقة
إتهمتها زوجة سيد بسرقة فلوس كانت تخفيها فى علبة فى دولابها... وإنهارت أم سيد وإنفجرت في زوجة إبنها صارخة مستنكرة كيف تفكر فى ذلك وتتوعدها بأنها ستخبر إبنها سيد عندما يعود ليؤدب زوجته ويعلمها كيف تتعامل مع أمه

ويعود سيد... وليته لم يعد
تبادره زوجته بالصراخ والعويل وأمك بتكرهنى ياسيد وربنا ماأنا عايشة معها بعد كده وبيت أبويا أولى بيا
وللأسف يصدق سيد كل ماقيل له من زوجته ... ومعلهشى ياامه إرجعى مصر تانى.. علشان بيت إبنك ماينخربش

طب أرجع فين ياسيد ...والجراج خلاص إتطردت منه.... يا أمه ربنا كبير حتلاقى جراج غيره

وتعود أم سيد ليس لتعمل فقط ولكن لتسكن الرصيف خلف كشك الكهرباء مفترشة الأرض وملتحفة السماء

كنت أنهار عندما نكون فى عز البرد وليالى الشتاء القاسية وأفكر فى أم سيد النائمة فى الشارع بدون حتى تندة تحميها.... وأنا ألتف فى عدة طبقات من الغطاء الثقيل وأتذمر من البرد

كيف تنامين يا أم سيد والدنيا ثلج كده والهواء عاصف والأمطار تهطل طيلة الليل

بعد أحد المحاضرات وبعد أن قلت لزملائى قصة تلك السيدة الحديدية ، طلب منى صديقى الطيب الذى يعمل بالسلك الدبلوماسى وينتمى لعائلة عريقة بأن أصحبه لتلك السيدة......

أعطاها نقود ونزل على الأرض وقبل يدها وسألها إنتى موش عاوزة حاجة يا أمى ؟؟؟....
ردت... يابنى نفسى بس فى بطانية... لو يعنى قدرت تجيب لى بطانية قديمة مقطعة موش محتاج لها وأنا اخيطها يبقى كثر خيرك

جاء تانى يوم صديقى أحمد ببطانيتين جديدتين فاخرتيين وطلب منى الذهاب معه....
ضحكت قائلة:- والله إنت حتموت الست دى النهاردة...
سألنى مستغربا :- ليه؟؟؟؟؟؟؟؟
قلت :- ياعم حرام عليك... بطانية ناعمة جديدة وثمن الواحدة يكفى أم سيد أكل لمدة 3 شهور وتقولى تفتكرى تعجبها

طبعا الست طارت من الفرح وكان موقف مؤثر جدا.... وسافر أحمد للولايات المتحدة ودائما ماكان يوصينى عليها ويعطينى مال لها

وفى يوم ... ذهبت لزيارتها وقلت لها عندما لاحظت إختفاء أحد البطانيتين... " أمال فين التانية ياأم سيد...إنت بعتيها ولا إيه؟؟؟؟"...... ردت ضاحكة......... لأ ربنا رزقنى بواحد حرامى باين عليه كان جاى من طرف مرات إبنى وإستخسر فيا البطانية أو كان بردان قوى وشدها من عليا وطار

علشان كده أخذت بالى وبقيت أنام على نصف بطانية وأتغطى بالنصف الثانى


يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه .... متى سنحمد ربنا على نعمته
أم سيد بقالها 5 سنين فى الشارع ... فى نفس المكان لمن يحب أن يراها
سلاموا عليكم

البطة البيضا ... والبطة السودة


شارع محمد محمود ...الذى يقع به كل مبانى الجامعة الأمريكية ..... عنوان لحال مصر
عمودى على شارع القصر العينى ويبدأ من أمام مجمع التحرير..... وهنا تبدأ المأساة

نظرا للإستقرار الفائق ... والأداء المتفوق للحكومات المتعاقبة فى مصر ... شهدت القاهرة العديد من التظاهرات
وتعددت أسبابها مابين سياسية وإجتماعية وإقتصادية

وفى تلك المظاهرات كان السيناريو المضحك .... لحد البكاء.... واحد



ميدان التحرير يكتظ بالناس الذين يرفعون شعارات ولافتات ويصرخون بالهتافات
ورجال الأمن المركزى يحوطونهم .... وعينك ماتشوف إلا النور

ضرب وسحل بكل ماتحمله الكلمة من معانى وصور وأشكال
ومن عام لعام .... ومن مظاهرة لأخرى يزداد عنف التعامل الأمنى مع المتظاهريين وتنهار المحظورات
فضرب السيدات والإعتداء عليهم كان على ما أعتقد متنافى تماما مع أخلاق المصريين علاوة عن تنافيه أساسا مع الأخلاق عموما ولكن شهامة المصريين حتى ولو كانوا رجال أمن مركزى كانت ترفض تماما أن تمس أى سيدة

ولكن التطور الطبيعى للحاجة الساقعة ....جعل دماء هؤلاء الناس ....ساقعة هى كمان !!!
لا أحب إسترجاع تلك المشاهد وأتمنى أن تمحى تماما من ذاكرتى لأنى رأيتها رأى العين عدة مرات فى فترات متقاربة وبالذات فى عامى 2005 – 2006

ولكن ما كنت أكرهه تماما وأتوقف عنده هو ذلك المشهد....
الغليان والفوران فى ميدان التحرير أمام المجمع والمبنى الرئيسى للجامعة الأمريكية يقابله حشد أمنى كثيف فى شارع محمد محمود لحماية مداخل مبانى الجامعة من تلك الشرذمة المتظاهرة

ليس ذلك وفقط بل هناك أيضا رد فعل رجال الأمن مع عامة الناس فى الشارع....
فلو خرجت من محطة مترو الأنفاق أمام الجامعة وإتجهت شمالا ...فأنت إذن من المتظاهريين أو من المنضمين لهم أو من سيئ الحظ الذين سينالهم التعميم الغبى و....تروح فى الرجلييين... يعنى من أبناء البطة السودا...!!!
أما بقى لو إتجهت يمينا.... فانت من أبناء البطة البيضاء ... المتجه للجامعة الأمريكية وأنت فى حماية رجال الأمن حتى تصل سالما

يا الله.... لماذا يحتقر المصريون المصريين لتلك الدرجة.... لماذا تسيطر علينا عقدة الخواجة بشكل مفزع
نظرة على ماحولنا ....حتى أسماء محلاتنا التجارية لهى دليل على ذلك الشعور المحتقر لكل ماهو مصرى أو عربى

ولا يسعنى هنا إلا أن أتذكر بوست كتبه د.إياد حرفوش عن محل ملابس جديد فى المعادى إختار لنفسه إسم .....

بلو جوب !!!!!

ميرو فى الجامعة الأمريكية ..!!! 2

فى البوست الماضى توقفت عند التناقض المذهل والفجوة المريعة التى تزداد إتساعا يوميا بين طبقات المجتمع المصرى والتى أثارت علامات إستفهام فى ذهنى ....من ضمن تلك الأسئلة كانت كلمة واحدة
الزكاة.... أحد أركان الإسلام الخمسة ...أو الأربعة على رأى أحد الوزراء فى حديث صحفى له

لا أعلم هل مصدر تلك الكلمة هى زكى ويزكى من التطهر أم من الممكن أن تكتب كما يلى الذكاة ومصدرها ذكى ويذكى من الطيب ...كالرائحة الذكية أى الرائحة الطيبة



أيا كان المصدر والكتابة الصحيحة فالمعنى واحد ...وهو أن إخراج مقدار معلوم من المال يطهر الكل الباقى و يجعله طيبا
ليست الذكاة أو الزكاة فقط بل هناك أيضا العشور فى الديانة المسيحية والهدف فى النهاية واحد أيضا

عندما كنت أرى تلك الفروق بين طبقات أبناء البلد الواحد كنت أتساءل هل لو أخرج من يملك المال المقدار المعلوم فى ماله للساءل والمحروم أى الزكاة أو العشور وهبت لمستحقيها ....هل كان الحال سيصبح كما هو الآن

فى أحد خطب صلاة الجمعة سمعت الإمام على المنبر يقول أنه يؤمن - والله أعلم – أن كل بلد ربنا يجعل فيه توازن بين فقراؤه وأغنياؤه ، فلو أخرج كل الأغنياء زكاة أموالهم ووزعت على فقراء تلك البلد بالحق فسوف تغطيهم وتكفيهم

كنت أتأكد من ذلك كلما وجدت مريض يحتاج علاج وغير متوفر وفجأة ربنا يرسل إلى المبلغ المطلوب على يد شخص أعرفه أو لا أعرفه

وتأكدت من ذلك عندما وجدت مستشفى رائع مثل مستشفى سرطان الأطفال 57 3 57 يتم بناؤه بمستوى عالمى ومعظم التكلفة كانت من تبرعات وصدقات وأموال زكاة المصريين الأغنياء والبسطاء على حد السواء

بدأت أفهم أن أوجه الرزق متعددة.... أحد تلك الأوجه أن الله عز وجل عندما يعطينا الرزق فى شكل المال ونخرج منه الزكاة والصدقات ففى تلك الحالة قد صار الرزق ثلاثى الأبعاد

أولا ....الرزق فى شكل المال الذى نحصل عليه ...كمرتب أو مكسب ...إلخ

ثانيا .... الرزق الثانى هو أن الله كفانا شر سؤال الناس فهو رزقنا المال الوفير لنأخذ منه حاجاتنا ونكفيها ولا نحتاج لأن نمد أيدينا للأخرين طلبا للمساعدة

ثالثا.... الرزق الثالث هو أن اننا نخرج من ذلك المال الزكاة والصدقات فنكون بذلك التجسيد الحى لخلافة الله فى الأرض وإعمارها ونكتسب بذلك الوجه الأخير للرزق وهو الثواب فى ميزان حسناتنا

كنت فى تلك الفترة قد بدأت أتجه للعمل فى مجال مختلف بجانب عملى بالمستشفى ، وكنت نوعا ما بدأت أضيق بذك العمل الحكومى الروتينى الممل وأتطلع للعمل بمجال أوسع ومتجدد أكثر

حتى جاء ذلك اليوم ... ذهبت للعمل بالمستشفى مبكرا جدا وكنت قد حزمت أمرى بأنى سوف أقدم طلب أجازة بدون مرتب لمدة عام من أول الشهر التالى وأجددها سنويا وفقا لظروف عملى الجديد

فى تلك النوبتجية جاءت سيارة الإسعاف تحمل مصاب شاب فى حادث قطار ... شاب يبلغ من العمر 15 عام وكان فى طريقه لمدرسته فى قرية مجاورة لقريته ويتطلب ذلك أن يمر عبر شريط قطار ولم ينظر جيدا للقطار القادم مما أصابه

جاء ذلك الشاب فى سيارة الإسعاف وقد نزف الكثير من دماؤه وأدخلوه عنبر الإستقبال وإستدعوا الطبيب والذى طلب أشعة والتى تتكلف حوالى 350 جنيها لأن جهاز المستشفى معطل من فترة ولا يعمل

طبعا لا أحد يتوقع أن شاب ... طالب فى الثانوى الصناعى........تم نقله للمستشفى وحيدا من قرية مجاورة لقريته ...فى السابعة صباحا... قد يكون معه فى جيبه 350 جنيه

وبدأت الممرضات يتصرفن فورا بجدعنة لم أراها إلا فى هؤلاء السيدات الأفاضل... أخذن يذهبن لكل من يعمل فى الإستقبال لجمع مال مهما قل أو كثر لتكملة المبلغ المطلوب لللأشعة... وعندما وصلن للصيدلية التى أعمل بها كان بالصدفة معى مبلغ متبقى من تبرع أحد أصدقائى لمريض توفى فى يوم سابق، وبفضل الله تم إكمال ثمن الأشعة

قالت لى الممرضة التى كانت تجمع 1لك المال ... " إشكرى ربنا يادكتورة ... ربنا رزقك دعاء الناس لكى بفلوس موش بتاعتك أصلا...بس إنتى ربنا إختارك تبقى سبب "



ياااااااااااااااه..... لو تعلم مدام فاطمة كم غيرت كلماتها البسيطة تلك حالتى النفسية ومجرى حياتى كله
بسبب تلك الكلمات فضلت أن أستمر فى عملى بالمستشفى ....مكتفية بالرزق الذى أنعم الله علي به

تعلمت أن الرزق ليس أموال فقط .... الرزق قد يكون دعاء بالصحة والستر ... قد يكون حب الناس الحقيقى الذى لا يشوبه مصالح أو منفعة شخصية

الرزق عبارة عن
TOTAL PACKAGE
خليط بين الجوانب المادية والمعنوية...... وأحيانا ماتكون الاخيرة أهم ولا تقدر بثمن