الجمعة، 20 فبراير 2009

أمنبة حسن ...(1)


البعض منا يعشق لعب دور القاضى الذى يصدر الأحكام ... بدليل عندما يجتمع بعض الناس وتثار قضية معينة أو موضوع ما نجد الكل يتسابق لإصدار أحكامه والتى يقولها بشكل قاطع كما لو كان المتكلم هو الوحيد المبصر فى مجتمع العميان..وياسلام بقى لو كان الموضوع يتحمل تطبيق نظرية المؤامرة التى نؤمن بوجودها كعقيدة راسخة

مثلا .. أتذكر مقتل الأميرة ديانا ...الكل يدلى بدلوه ويبتكر الأسباب الخفية التى يعلمها المتحدث هو وفقط عن غير خبرة او علم او حتى ثقافة تحليلية... وكذلك الحال فى غزو العراق وحصار غزة ومقتل سوزان تميم وأزمة الرهن العقارى الأمريكى ..إلخ إلخ إلخ لانهائية والسيناريو واحد .... الحكم المسبق المقولب الجاهز

لم أندم على شئ فى حياتى كما ندمت على تقمصى بعض الوقت لتلك الشخصية التى تصدر الأحكام جزافا بدون وعى
ربما تخلصت من تلك العادة السيئة البغيضة
عندما كنت أسمع المقولة العامة التى يعرفها الجميع ولا ينفذها غير القليل ألا وهى " لا تصدر الأحكام جزافا ولا تفترض أشياء بدون علم "
Don’t be judgmental & Don’t assume

ولكن يظل الفضل لله عز وجل ثم ((( لها ))) فى تخلصى من تلك العادة .... أمنية حسن

أشعر بغصة فى حلقى عندما أتذكر ذلك اليوم...
أجلس فى مكتبى بالمستشفى خلال نهار يوم شتوى قارص البرودة أتأفف من البرد ومن عدم وجود تكيف فى المكاتب الحكومية وألقى بسؤالى المتذمر على أصدقائى ..." موش عارفة إمتى حايعاملونا كبنى آدميين ويجهزوا المكاتب كما ينبغى !!... يعنى البيه الظابط بتاع الأمن أول ماوصل إتفرش مكتبه سجاد وكراسى فوتيهات وتكييف والدكاترة الغلابة اللى طالع عينهم فى المستشفى دى مايستهالوش !!!...إفففف إستغفر الله العظيم"

ويدق شخص على الباب وأقول إتفضل .... تظهر سيدة فاضلة موظفة فى أحد إدارات كلية الطب التى تتبعها المستشفى وأرحب بها ولكنها كانت فى غاية الجزع وتقول لى ..." معلهشى يادكتورة من فضلك تعالى معايا الإستقبال ...يوجد طالبة فى الكلية كانت تؤدى إمتحان التيرم وكنت أراقب علي لجنتها أثناء الإمتحان وفجأة إنهارت وأخذت تصرخ بشدة من ظهرها وجلست على الأرض تصرخ بشكل هيستيرى وبصعوبة نقلناها للإستقبال ... يارب يخليكى وصى عليها زملائك لحسن دى حالتها صعبة قوى "

أذهب معها للإستقبال وأجد أمامى فتاة آية فى الجمال ...سبحان الله العظيم ... لو كان للرقة والبراءة عنوان لكانت تلك الفتاة عنوانها... تبكى وتصرخ بجنون وصديقاتها حولها ممسكات بيديها ويحاولوا يهدئوا من روعها...ولكنها لا تقول سوى آآآآآآه آآآآآه آآآآآآه ...كفاية موش قادرة آآآآه آآآآآه يارب أموت وأرتاح

أجزع لرؤيتها وأسأل عن حالتها ليبلغنى أصدقائى أنها تصرخ من ظهرها وغالبا لأنها ظلت جالسة مدة طويلة للمذاكرة وبالتالى مع برودة الجو ظهرت تلك الآلام على ظهرها ....

أطمئنها بأن حالتها بسيطة للغاية وكل ماتحتاجه هو حقنة مسكنة .....فتصرخ لأ لأ موش عاوزة موش حتخفف ألمى
أنا عارفة اللى بيريحينى ...عاوزة حقنة ( .......) المخدرة هى الوحيدة التى تذهب الألم عنى

وهنا .... تملكتنى الشخصية البغيضة التى تصدر الأحكام كما تتنفس الهواء بلا أدنى صعوبة ولا تفكير
وأقول فى نفسى ... آه أهلا ...... هو إنت منهم !!!... كل الفيلم الهندى ده علشان تأخذى حقنة المخدر التى لا تصرف الا بروشتة.... بقى الشبورة دى كلها علشان كده !

ولثانية خطر فى بالى أنه قد تكون البنت صادقة فعلا فى معاناتها وهناك مشكلة حقيقة فى ظهرها....سألت زميلى طبيب العظام ...موش يمكن البنت تعبانة بجد .... هى عملت أشعة؟
قالى لأ طبعا لأن جهاز الأشعة على وشك التعطل وبيشتغل فقط للحوادث ....!!!

أخبرت الموظفة التى جاءت بها أنها يجب أن تقوم بعمل أشعة لمعرفة سبب ذلك الألم المبرح التى ( تقول ) أنها تعانيه ...وكنت بداخلى لا أزال أشك فيها وكنت أقول فى نفسى على الأقل لو لم تكن مدمنة لهذا العقار فهى قد تكون ...بتتدلع أو حالة هيستيريا التى تصيب بعض الطالبات أثناء الإمتحانات بالذات لكسب تعاطف

شكرتنى الموظفة الطيبة وعاونت صديقات أمنية على أن تقوم وتخرج من المستشفى وتذهب لبيتها

نسيت القصة تماما لمدة أيام وأسابيع ثم ذات يوم قابلت تلك الموظفة الطيبة صدفة وسألتها عن الفتاة.... قالت لى ماصدمنى... قالت إنها أوصلت الفتاة لمنزلها مع صدبقاتها وقابلت أمها التى قالت لها أنها أحيانا ماكنت تصييبها تلك الحالة من الصراخ الهيستيرى على فترات متباعدة ولكنها إزدادت حدتها تلك الأيام مع دخول الشتاء القارص هذا
فسألتها الموظفة لماذا إذن لم تذهب للطبيب المتخصص ...ردت الأم أنها ذهبت ولكنه طلب أشعة معينة غالية الثمن جدا والفتاة رفضت عملها وإكتفت بالمسكنات لتمكنها من ممارسة عملها ....
عملها ؟؟!!!!...... أى عمل ؟...أليست طالبة بالكلية؟؟؟!!!
نعم طالبة ولكنها كان عليها أن تعمل منذ العام الأول لها بالكلية لتدبر نفقات كليتها ومساعدة أسرتها فى المعيشة وبالتالى عملت كمساعدة لمشرفة التمريض بأحد المستشفيات الخاصة ...!!!!
قالت لى الموظفة الطيبة أنها أصرت على القيام بمصاحبة الفتاة لعمل الأشعة والتى جمعت ثمنها من إعلان حالة إكتتاب عام بين موظفى شئون الطلاب بالكلية !!!!

يا الله ياولى الصابرين !..... أشعة ثمنها لا يتجاوز 3 ورقات مالية من فئة المئة جنيه تمثل مشكلة لأسرة ولفتاة ولموظفيين إدارة كاملة !!!!

يارب رحمتك بنا .... كيف ستحاسبنا على إهدارنا للمال بذلك الشكل المستفز ..... كم من أشياء نشتريها ونلقى بها بعد شراؤها لأننا غيرنا رأينا ولم نعد نراها جيدة

كم من أكلات وفاكهة وبواقى طعام يكون مصيره صندوق القمامة وهو يكفى لوجبة 3 أيام لأسرة كاملة !

كم من قطعة ملابس نشتريها بدون أن نقتنع بها ولا بثمنها الباهظ لمجرد أنها من ماركة معينة عالمية

ياربى ...300 جنيه ثمن أشعة تأخرت عملها لفتاة مريضة وأدت لتأخر علاجها كما سيتضح فيما بعد ونحن نشترى بأضعاف هذا المبلغ مالانحتاجه

300 جنيه ....كم من عشاء فاخر فى مطعم فاخر لشخصيين تناولوه ودفعوها ثمنا له

300 جنيه ..... كم من بقالة وشيكولاتات وسجائر نشتريها بذلك المبلغ بدون أدنى تفكير فى ضخامته

300 جنيه ... ثمن أشعة تأخرت أمنية فى عملها وأدت لإكتشاف أنها مصابة بورم خبيث إستوحش ويفترس خلايا أعصاب عمودها الفقرى

يا الله !!!.... أقسم بالله أنى أكره نفسى كلما تذكرت موقفى معها فى إستقبال المستشفىوعاهدت الله عز وجل ألا أنصب نفسى بعدها قاضيا على أحد.... لى من الناس ظاهرهم ولكن سرائرهم فى علم الله وحده

ليست هناك تعليقات: