الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

قلبى على ولدى إنفطر... وقلب ولدى عليا حجر


أعترف بأن أكبر نشاط إجتماعى وخيرى قد رأيته على مستوى الجامعات كان فى الجامعة الأمريكية
ربما لأن هامش الحرية الممنوح للطلبة هناك أكبر قليلا من أى طلبة فى أى جامعة مصرية أخرى
وربما لأن معظم هؤلاء الطلبة ينتمون لطبقات أعلى فى المجتمع تمتلك من العلاقات والأموال ما يساهم بشكل كبير فى إنجاح مثل تلك المشروعات والأنشطة الخيرية التى يقومون بها

كنا قبل رمضان بأيام قليلة وكانت هناك حملة داخل الجامعة لعمل مايسمى بشنطة رمضان ....كانت الفكرة لاتزال حديثة تماما فى المجتمع وكان الهدف المطروح فى كل إعلانات تلك الحملة هو عمل 1000 شنطة لتوزيعها فى منطقة عشوائية تقع بعيدا جدا جدا عن قلب القاهرة

سعدت جدا بالفكرة وقررت أنا وأصدقائى الإشتراك بها ولكن أثناء مرورى بجوار سور الجامعة لفت إنتباهى وجود سيدة مسنة تجلس على الرصيف وأمامها علب قليلقة من البسكويت والمناديل الورقية والتى تبيعهم

كنت قد تذكرت أحد أساتذتى الأفاضل فى مدرستى الثانوية- عندما كان المعلم فى المدرسة له سلطة الأب والقائد والمربى - عندما كان ينصحنا دائما بأنه عندما نشترى شئ وهناك عدة أشخاص أو أماكن متجاورة تبيعه...فمن الأفضل أن نشتريه من المحل الذى ليس عنده زبائن كثيرة طالما أن المنتج وصلاحيته واحدة

وإذا كان هناك رجل وسيدة يقومان بنفس نشاط البيع فمن الأفضل أن نشتريه من السيدة لأنه ما إستدعى خروجها للرصيف لتجلس عليه وتبيع شكولاتات وبسكويت ومناديل معرضة نفسها للشارع وأخلاقياته المنحدرة ومضايقاته لهو أكيد سبب قوى جدا وحاجة شديدة للمال

تذكرت تلك النصيحة وأخبرت بها أصدقائى وتوقفنا لشراء بعض الأشياء من تلك السيدة الجميلة ....
ام سيد

مسنة فى الثمانين من عمرها ... مرحة لدرجة مذهلة... ودمها خفيف بشكل لافت.... وتعرفنا عليها وعلى حكايتها الموجعة

أم سيد من قرية بجوار شبرا الخيمة ... كان لديها إبنة فاطمة.... وإبن وهو الأستاذ سيد ... ربتهم بمعاش زوجها المتوفى منذ سنوات طويلة..

تزوجت فاطمة فى إمبابة وأنجبت 3 أبناء.... وظلت أم سيد فى منزلها فى قريتها ومعها إبنها سيد
وقررت أم سيد تفرح الفرحة الكبيرة ... بعد حصول سيد على شهادة الدبلوم وعمله بإحدى مصانع شبرا الخيمة
لذا قامت بتزويجه من فتاة من قريتهم ...وأقام معها سيد وزوجته الجديدة

وبعد شهور ستة طفت المشاكل على السطح بين أم سيد .... المالكة الأصلية للدارولسيد.... وبين زوجة سيد ...المالكة الجديدة للدار ولسيد أيضا ...!!!

وقررت الأم والزوجة أنه لا حياة معا تحت سقف واحد بعد الآن

لذا تم تقرير مصير أم سيد وترحيلها لتحيا مع فاطمة وأولادها فى إمبابة بعد وفاة زوج فاطمة العامل البيسط باليومية فى أحد المصالح الحكومية

ومن هنا بدأ نشاط أم سيد التجارى .... وإضطرت وهى فى السبعين من عمرها للخروج لسوق تالعمل لتبيع البسكويت والمناديل على الرصيف ... وترجع لبنتها وأحفادها يوميا بذكرياتها مع البلدية والعساكر اللى بتجرى منهم حاملة بضاعتها حتى لا تصادر...!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

ثم توفت فاطمة .... وصارت أم سيد المسئولة عن تربية أحفادها ....وظل الحال على ماهو عليه وربتهم هم أيضا
ولكن ولأن الفيلم مصرى أصيل وليس تقليد .... فصاحب الشقة ...أقصد الغرفة التى كانت تحيا فيها فاطمة وزوجها وأولادها ...كان قد قرر طرد أم سيد وأحفادها وكفاية صبر عليهم سنة بعد موت فاطمة

ولأن الطبقة الوسطى تواجه صعوبة بالغة فى الحصول على شقة ....فالأمر بالنسبة لأم سيد قد صار مستحيل ومحتاج ليلة القدر

لذا قررت أن تسكن مع أحفادها فى جراج مجاور للجامعة الأمريكية .... مكان نشاطها التجارى
وكبر أحفادها الأول والثانية وتبقى الثالث فى التعليم الإبتدائى...... تزوج الأول والثانية وعادوا لقريتهم ومعهم أخوهم الصغير ... وأهو يزرع الأرض مع أخوه

طب وأم سيد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟...............

ظلت تسكن الجراج بمفردها مساء وتزاول عملها صباحا... وأهى ماشية وربنا الرزاق

مات الراجل الطيب صاحب العمارة التى يقع بها الجراج.... وجاء الورثة وقرروا طرد أم سيد.... وتوسط أهل الخير لتظل فى الجراج ولكنهم رفضوا

خلاص بقى مابدهاش يا أم سيد وصفى أعمالك التى لا تتجاوز عدد 2 علبة بسكويت شمعدان أحمر وأصفر على دستتين مناديل وكرتونة شيبسى... وإرجعى لبيتك وإستحملى زوجة سيد حتى يتوفاكى الله

عادت أم سيد لقريتها وبيتها ...اللى كان بيتها... وبقى بيت زوجة سيد

شهر ونصف وفجأة ظهرت أم سيد ثانية تزوال نشاطها على رصيف الجامعة الأمريكية
فرحنا بها وتساءلنا لماذا عادت وكانت الطامة الكبرى.....

تحالف سيد وزوجته على طرد أمه من بيتها ... بدأوا أولا فى حرمانها من الأكل معهم وتحديد إقامتها فى سريرها وياويلها ياسواد ليلها لو دخلت الحمام وإحتاجت زوجة سيد الحمام فى نفس الوقت

ثم تطور مسلسل التطفيش ليصبح إخفاء الأكل عنها والإكتفاء بتقديم العيش والجبنة والفول لها كوجبة مكررة طول النهار...
وعندما تساءلت أم سيد ...إيه ده يابنى .....
يرد سيد ....نعمل إيه ياأمه ....رزقنا قليل وعيالنا كثير والجاى على قد اللى رايح
تسأل أم سيد ...بس يابنى أنا شميت إمبارح ريحة تحمير فراخ
يرد سبع البرمبة غاضبا ...فراخ إيه ياأمه ...إنت بتخرفى ...هو إحنا لاقيين العيش الحاف

وبمرور الأيام تدرك أم سيد الحقيقة .... المسموح لها من الطعام هو الكفاف وحتى عندما تأتى حفيدتها لزيارتها حاملة معها هدية لجدتها فرخة مذبوحة تستولى عليها زوجة سيد وتصبح ملك لسيد وزوجته وأم سيد لها ربنا بقى

وتنتهى تلك المأساة بيوم حزين كلما تذكرته أم سيد تبكى بحرقة
إتهمتها زوجة سيد بسرقة فلوس كانت تخفيها فى علبة فى دولابها... وإنهارت أم سيد وإنفجرت في زوجة إبنها صارخة مستنكرة كيف تفكر فى ذلك وتتوعدها بأنها ستخبر إبنها سيد عندما يعود ليؤدب زوجته ويعلمها كيف تتعامل مع أمه

ويعود سيد... وليته لم يعد
تبادره زوجته بالصراخ والعويل وأمك بتكرهنى ياسيد وربنا ماأنا عايشة معها بعد كده وبيت أبويا أولى بيا
وللأسف يصدق سيد كل ماقيل له من زوجته ... ومعلهشى ياامه إرجعى مصر تانى.. علشان بيت إبنك ماينخربش

طب أرجع فين ياسيد ...والجراج خلاص إتطردت منه.... يا أمه ربنا كبير حتلاقى جراج غيره

وتعود أم سيد ليس لتعمل فقط ولكن لتسكن الرصيف خلف كشك الكهرباء مفترشة الأرض وملتحفة السماء

كنت أنهار عندما نكون فى عز البرد وليالى الشتاء القاسية وأفكر فى أم سيد النائمة فى الشارع بدون حتى تندة تحميها.... وأنا ألتف فى عدة طبقات من الغطاء الثقيل وأتذمر من البرد

كيف تنامين يا أم سيد والدنيا ثلج كده والهواء عاصف والأمطار تهطل طيلة الليل

بعد أحد المحاضرات وبعد أن قلت لزملائى قصة تلك السيدة الحديدية ، طلب منى صديقى الطيب الذى يعمل بالسلك الدبلوماسى وينتمى لعائلة عريقة بأن أصحبه لتلك السيدة......

أعطاها نقود ونزل على الأرض وقبل يدها وسألها إنتى موش عاوزة حاجة يا أمى ؟؟؟....
ردت... يابنى نفسى بس فى بطانية... لو يعنى قدرت تجيب لى بطانية قديمة مقطعة موش محتاج لها وأنا اخيطها يبقى كثر خيرك

جاء تانى يوم صديقى أحمد ببطانيتين جديدتين فاخرتيين وطلب منى الذهاب معه....
ضحكت قائلة:- والله إنت حتموت الست دى النهاردة...
سألنى مستغربا :- ليه؟؟؟؟؟؟؟؟
قلت :- ياعم حرام عليك... بطانية ناعمة جديدة وثمن الواحدة يكفى أم سيد أكل لمدة 3 شهور وتقولى تفتكرى تعجبها

طبعا الست طارت من الفرح وكان موقف مؤثر جدا.... وسافر أحمد للولايات المتحدة ودائما ماكان يوصينى عليها ويعطينى مال لها

وفى يوم ... ذهبت لزيارتها وقلت لها عندما لاحظت إختفاء أحد البطانيتين... " أمال فين التانية ياأم سيد...إنت بعتيها ولا إيه؟؟؟؟"...... ردت ضاحكة......... لأ ربنا رزقنى بواحد حرامى باين عليه كان جاى من طرف مرات إبنى وإستخسر فيا البطانية أو كان بردان قوى وشدها من عليا وطار

علشان كده أخذت بالى وبقيت أنام على نصف بطانية وأتغطى بالنصف الثانى


يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه .... متى سنحمد ربنا على نعمته
أم سيد بقالها 5 سنين فى الشارع ... فى نفس المكان لمن يحب أن يراها
سلاموا عليكم

البطة البيضا ... والبطة السودة


شارع محمد محمود ...الذى يقع به كل مبانى الجامعة الأمريكية ..... عنوان لحال مصر
عمودى على شارع القصر العينى ويبدأ من أمام مجمع التحرير..... وهنا تبدأ المأساة

نظرا للإستقرار الفائق ... والأداء المتفوق للحكومات المتعاقبة فى مصر ... شهدت القاهرة العديد من التظاهرات
وتعددت أسبابها مابين سياسية وإجتماعية وإقتصادية

وفى تلك المظاهرات كان السيناريو المضحك .... لحد البكاء.... واحد



ميدان التحرير يكتظ بالناس الذين يرفعون شعارات ولافتات ويصرخون بالهتافات
ورجال الأمن المركزى يحوطونهم .... وعينك ماتشوف إلا النور

ضرب وسحل بكل ماتحمله الكلمة من معانى وصور وأشكال
ومن عام لعام .... ومن مظاهرة لأخرى يزداد عنف التعامل الأمنى مع المتظاهريين وتنهار المحظورات
فضرب السيدات والإعتداء عليهم كان على ما أعتقد متنافى تماما مع أخلاق المصريين علاوة عن تنافيه أساسا مع الأخلاق عموما ولكن شهامة المصريين حتى ولو كانوا رجال أمن مركزى كانت ترفض تماما أن تمس أى سيدة

ولكن التطور الطبيعى للحاجة الساقعة ....جعل دماء هؤلاء الناس ....ساقعة هى كمان !!!
لا أحب إسترجاع تلك المشاهد وأتمنى أن تمحى تماما من ذاكرتى لأنى رأيتها رأى العين عدة مرات فى فترات متقاربة وبالذات فى عامى 2005 – 2006

ولكن ما كنت أكرهه تماما وأتوقف عنده هو ذلك المشهد....
الغليان والفوران فى ميدان التحرير أمام المجمع والمبنى الرئيسى للجامعة الأمريكية يقابله حشد أمنى كثيف فى شارع محمد محمود لحماية مداخل مبانى الجامعة من تلك الشرذمة المتظاهرة

ليس ذلك وفقط بل هناك أيضا رد فعل رجال الأمن مع عامة الناس فى الشارع....
فلو خرجت من محطة مترو الأنفاق أمام الجامعة وإتجهت شمالا ...فأنت إذن من المتظاهريين أو من المنضمين لهم أو من سيئ الحظ الذين سينالهم التعميم الغبى و....تروح فى الرجلييين... يعنى من أبناء البطة السودا...!!!
أما بقى لو إتجهت يمينا.... فانت من أبناء البطة البيضاء ... المتجه للجامعة الأمريكية وأنت فى حماية رجال الأمن حتى تصل سالما

يا الله.... لماذا يحتقر المصريون المصريين لتلك الدرجة.... لماذا تسيطر علينا عقدة الخواجة بشكل مفزع
نظرة على ماحولنا ....حتى أسماء محلاتنا التجارية لهى دليل على ذلك الشعور المحتقر لكل ماهو مصرى أو عربى

ولا يسعنى هنا إلا أن أتذكر بوست كتبه د.إياد حرفوش عن محل ملابس جديد فى المعادى إختار لنفسه إسم .....

بلو جوب !!!!!

ميرو فى الجامعة الأمريكية ..!!! 2

فى البوست الماضى توقفت عند التناقض المذهل والفجوة المريعة التى تزداد إتساعا يوميا بين طبقات المجتمع المصرى والتى أثارت علامات إستفهام فى ذهنى ....من ضمن تلك الأسئلة كانت كلمة واحدة
الزكاة.... أحد أركان الإسلام الخمسة ...أو الأربعة على رأى أحد الوزراء فى حديث صحفى له

لا أعلم هل مصدر تلك الكلمة هى زكى ويزكى من التطهر أم من الممكن أن تكتب كما يلى الذكاة ومصدرها ذكى ويذكى من الطيب ...كالرائحة الذكية أى الرائحة الطيبة



أيا كان المصدر والكتابة الصحيحة فالمعنى واحد ...وهو أن إخراج مقدار معلوم من المال يطهر الكل الباقى و يجعله طيبا
ليست الذكاة أو الزكاة فقط بل هناك أيضا العشور فى الديانة المسيحية والهدف فى النهاية واحد أيضا

عندما كنت أرى تلك الفروق بين طبقات أبناء البلد الواحد كنت أتساءل هل لو أخرج من يملك المال المقدار المعلوم فى ماله للساءل والمحروم أى الزكاة أو العشور وهبت لمستحقيها ....هل كان الحال سيصبح كما هو الآن

فى أحد خطب صلاة الجمعة سمعت الإمام على المنبر يقول أنه يؤمن - والله أعلم – أن كل بلد ربنا يجعل فيه توازن بين فقراؤه وأغنياؤه ، فلو أخرج كل الأغنياء زكاة أموالهم ووزعت على فقراء تلك البلد بالحق فسوف تغطيهم وتكفيهم

كنت أتأكد من ذلك كلما وجدت مريض يحتاج علاج وغير متوفر وفجأة ربنا يرسل إلى المبلغ المطلوب على يد شخص أعرفه أو لا أعرفه

وتأكدت من ذلك عندما وجدت مستشفى رائع مثل مستشفى سرطان الأطفال 57 3 57 يتم بناؤه بمستوى عالمى ومعظم التكلفة كانت من تبرعات وصدقات وأموال زكاة المصريين الأغنياء والبسطاء على حد السواء

بدأت أفهم أن أوجه الرزق متعددة.... أحد تلك الأوجه أن الله عز وجل عندما يعطينا الرزق فى شكل المال ونخرج منه الزكاة والصدقات ففى تلك الحالة قد صار الرزق ثلاثى الأبعاد

أولا ....الرزق فى شكل المال الذى نحصل عليه ...كمرتب أو مكسب ...إلخ

ثانيا .... الرزق الثانى هو أن الله كفانا شر سؤال الناس فهو رزقنا المال الوفير لنأخذ منه حاجاتنا ونكفيها ولا نحتاج لأن نمد أيدينا للأخرين طلبا للمساعدة

ثالثا.... الرزق الثالث هو أن اننا نخرج من ذلك المال الزكاة والصدقات فنكون بذلك التجسيد الحى لخلافة الله فى الأرض وإعمارها ونكتسب بذلك الوجه الأخير للرزق وهو الثواب فى ميزان حسناتنا

كنت فى تلك الفترة قد بدأت أتجه للعمل فى مجال مختلف بجانب عملى بالمستشفى ، وكنت نوعا ما بدأت أضيق بذك العمل الحكومى الروتينى الممل وأتطلع للعمل بمجال أوسع ومتجدد أكثر

حتى جاء ذلك اليوم ... ذهبت للعمل بالمستشفى مبكرا جدا وكنت قد حزمت أمرى بأنى سوف أقدم طلب أجازة بدون مرتب لمدة عام من أول الشهر التالى وأجددها سنويا وفقا لظروف عملى الجديد

فى تلك النوبتجية جاءت سيارة الإسعاف تحمل مصاب شاب فى حادث قطار ... شاب يبلغ من العمر 15 عام وكان فى طريقه لمدرسته فى قرية مجاورة لقريته ويتطلب ذلك أن يمر عبر شريط قطار ولم ينظر جيدا للقطار القادم مما أصابه

جاء ذلك الشاب فى سيارة الإسعاف وقد نزف الكثير من دماؤه وأدخلوه عنبر الإستقبال وإستدعوا الطبيب والذى طلب أشعة والتى تتكلف حوالى 350 جنيها لأن جهاز المستشفى معطل من فترة ولا يعمل

طبعا لا أحد يتوقع أن شاب ... طالب فى الثانوى الصناعى........تم نقله للمستشفى وحيدا من قرية مجاورة لقريته ...فى السابعة صباحا... قد يكون معه فى جيبه 350 جنيه

وبدأت الممرضات يتصرفن فورا بجدعنة لم أراها إلا فى هؤلاء السيدات الأفاضل... أخذن يذهبن لكل من يعمل فى الإستقبال لجمع مال مهما قل أو كثر لتكملة المبلغ المطلوب لللأشعة... وعندما وصلن للصيدلية التى أعمل بها كان بالصدفة معى مبلغ متبقى من تبرع أحد أصدقائى لمريض توفى فى يوم سابق، وبفضل الله تم إكمال ثمن الأشعة

قالت لى الممرضة التى كانت تجمع 1لك المال ... " إشكرى ربنا يادكتورة ... ربنا رزقك دعاء الناس لكى بفلوس موش بتاعتك أصلا...بس إنتى ربنا إختارك تبقى سبب "



ياااااااااااااااه..... لو تعلم مدام فاطمة كم غيرت كلماتها البسيطة تلك حالتى النفسية ومجرى حياتى كله
بسبب تلك الكلمات فضلت أن أستمر فى عملى بالمستشفى ....مكتفية بالرزق الذى أنعم الله علي به

تعلمت أن الرزق ليس أموال فقط .... الرزق قد يكون دعاء بالصحة والستر ... قد يكون حب الناس الحقيقى الذى لا يشوبه مصالح أو منفعة شخصية

الرزق عبارة عن
TOTAL PACKAGE
خليط بين الجوانب المادية والمعنوية...... وأحيانا ماتكون الاخيرة أهم ولا تقدر بثمن








الجمعة، 26 سبتمبر 2008

ميرو فى الجامعة الأمريكية...!!!!!!!


بعد أن فشل مشروع عملى بالكلية...وبعد وفاة كل من كان له دور فى هذا الفيلم المأساوى ...وبعد أن شربت أكبر مقلب فى حياتى.... حيث أن وجودى بمستشفى الطوارئ كان مقرر له شهر أو شهرين على أقصى تقدير... وجدت نفسى أعمل رسميا وحتى إشعار أخر ....ويمكن للأبد كمان فى هذا المكان المريع... مريع فى طبيعته المكلفة بإستقبال الحوادث...ومريع فى نظام إدارته حينذاك والذى كان قريب الشبه بإدارة سجن تحت حكم الإتحاد السوفيتى ... وأرجو مراجعة مصادرى فى تلك النقطة وهى... روايات رجل المستحيل !!!

لما بقى لقيت الدنيا باظت كده وخلاص ياميرو ..كل سنة وإنت طيبة ... وأهلا بك فى الجحيم... قلت أدور على حاجة تانية أعملها فى حياتى...وقد كان

قررت تغيير دائرة إهتماماتى من دراسات عليا فى الصيدلة الإكلينيكية لدراسات عليا فى التسويق وإدارة الأعمال
وإلتحقت بالجامعة الأمريكية ...وبدأت الرحلة التى لم تنتهى بعد




لو تكن أول مرة أدخل فيها الجامعة الأمريكية لأنى كنت أدرس بها لشهور قليلة سابقا أثناء دراستى بكلية سياسة وإقتصاد قبل دخولى كلية صيدلة....ولكن تلك المرة كانت دراسة أطول و سنى كان أنضج مما جعل التجربة أعمق

حدثت الصدمة الحضارية الأولى والأقوى أثناء أول فصل دراسى لى ...حيث أنه من المفروض أن أقدم نفسى لزملائى فى بداية الفصل وعندما فعلت وقلت أنى أعمل فى مستشفى الطوارئ... لقيت واحدة زميلة إذبهلت على الأخر وبدت مصعوقة من المفاجأة وأصدرت عدة أصوات تنفع تكون دلالة على الدهشة أو الهطل ...
وقالت: وااااااااااوووو... يابختك .........إنت بتشتغلى فى مستشفى زى ( إى آر)... يااااااااه ... بحب قوى جو الحركة والأكشن ده...وعندكوا برضه المصابيين يتنقلوا بالهليكوبتر والإسعاف الطائر...
قلت فى سرى ....... أهلا ...من أولها الجنان حيشتغل ...عبيطة دى ولا إيه ...هليكوبتر مين ياحاجة....... هو إحنا لاقيين تروللى الناس تتحط عليه ...ولو لقينا وطلع المصاب الست والدته راضية عنه وداعية له والتروللى طلع عجلاته كاملة وبتتحرك عادى.. حنلاقى عمال يشدوا التروللى ولا لأ...لو طلعت والدته داعية له فى ليلة القدر ولقينا كل ده ...حنلاقى بقى دكتور يكشف عليه وجهاز أشعة موش عطلان ولا لأ

وضحكت وقلتلها طبعا عندنا كل حاجة... ده حتى المستشفى صرفت لكل واحد فينا هليكوبتر علشان يروح بيها الشغل كل يوم وميتأخرش........ طبعا فهمت إنى بتريق وضحكنا كلنا

ولكن الموقف لم يمر عليا بسهولة... إحتكاكى بالمستشفى وبالمرضى الفقراء فيها وقصصهم الموجعة ومعاناتهم اليومية وعلى الضفة الأخرى من النهر أذهب مساء إلى الجامعة الأمريكية وطلابها ومستوى معيشتهم وطبيعة حياتهم المختلفة بشكل كبير عن طبيعة حياة معظم المصريين

هذا التناقض الأسبوعى كان يشكل لى علامات إستفهام كبيرة...وربما كان هو السبب فى إستمرارى فى العمل بالمستشفى حتى الآن بالرغم من عملى فى مجالات بعيدة جدا ومربحة أكثر بكثييييييييييييير من مرتب المستشفى

أحد علامات الإستفاهم تلك كانت ... لماذا الفروق بين الطبقات فى مصر أصبح بتلك البشاعة.... ليس فقط فروق مادية ولكن فروق إجتماعية

أى مجتمع به طبقات عديدة وتعدد الطبقات الإجتماعية ذلك دليل على سلامة بنيان المجتمع ....وتنافر الطبقات وتباعدها يصبح أحد أدوات الهدم السريع للمجتمع ككل

كنت دائما ما أفكر .... ما هى شكل الحياة والمسافات بين الطبقات فى مصر فى فترة مابعد الثورة وحتى الآن
سألت والدى المعايش للثورة... وقال أن الموظف والمعلم والمهندس كانوا كريمة المجتمع ...ليس هم فقط وحدهم بل كان التعليم هو معيار كفاءة الشخص ومصدر إحترام الناس له

وبعد ذلك...ماذا حدث يا حاج؟؟؟؟..............

صمت الحاج وقالى ..... بعد كده حضرتك ..وفجأة وعلى حين غرة.... صار كل المتعلمين والقائمين على تعليم الناس وثقافتهم...فجأة فجأة أصبحوا غلطة وندمان عليها ... وبقولك وإسمعيها على رأى هانى شاكر !!!!
والغلطة بعون الله وتوفيقه إتصلحت فى ثورة التصحيح وإتحط كل العالم دووووول فى السجن ...!!!!

فهرشت رأسى وقلت...أمال مبن اللى بقى صفوة المجتمع وكريمته
قالى ....تم تصحيح المعيار المستخدم لتقدير البنى آدم وإحترامه فى مصر ...وأصبح..........

قلت أيوه أصبح إيه المعيار الجديد بدل من التعليم؟؟؟

قالى ....بصى حولك وإنتى تعرفى

بصيت حولى لقيت الدنيا جميلة خالص.... طبقت مبادئ التحليل على صفوة المجتمع وجدت أن الخط المشترك هو النهب والسرقة والغش ومص دم الغلابة

وتذكرت مقولة على ابن أبى طالب لعمر بن الخطاب عندما تعجب الأخير من أمانة أحد الرعية
ومافيش داعى أقول المقولة تلك ....وخليها فى بطن الشاعر أحسن

لذا فهمت لماذا الفروق الطبقية صارت وتصير يوميا أكبر وأوسع وأعنف وأجرأ

كنت أذهب لمحاضرتى مساء ونتحدث عن الإدارة والتسويق وظروف العمل المختلفة ويتطرق الحديث للبورصة والأسهم والأرباح والمرتبات الضئيلة التى يتمنى زملائى الإنتقال لشركات أكبر لتغيرها.... تلك المرتبات التى تتجاوز حد الثلاثة أصفار والتى فى عرف باقى المجتمع مرتبات مرتفعة لا ينالها معظم الشباب وبالكاد قد ينالها من يقاربوا على المعاش

ثم أذهب فى اليوم التالى صباحا للمستشفى ...حيث المرضى والفقراء والغلابة ...الذين يمثل لهم الجنيه والنصف ثمن تذكرة الكشف مبلغ يستحق التفكير بشأنه

ويكون حديث الأطباء ...المرتبات وصلت ولا لسه ...والحوافز أخبارها إيه....وتسمع السؤال التقليدى ...تحبى تدخلى معانا جمعية لعشرة شهور؟؟؟؟؟

وهكذا تناقض مريع بين طبقتين من مجتمع واحد ....وللأسف لا تملك أى طبقة منهم الأسباب الكافية لتبرير مايمرون به

فالطبقة الفقيرة لا تعلم لماذا تعانى يوميا وتزداد المعانة من يوم ليوم
والطبقة الغنية لا تعرف لماذا تزداد ثرواتها يوميا وتقفز سنويا

وللحديث بقية

الأحد، 8 يونيو 2008

أول يوم طوارئ...



أول يوم فى الحضانة....

أول يوم فى المدرسة ....

أول يوم فى الجامعة....

أول يوم تشتغلى ياميروووو....... يااااااااااااااااااه ...ده كان يوم مايعلم بيه إلا ربنا!!!!

عرفت ليه أسموه قانون الطوارئ ... علشان الكركبة اللى بيعملها واللى بيخلى الناس تلف حوالين بعضها وحوالين نفسها أيضا

مستشفى الطوارئ الجامعى.... هى مسلسل ER الأمريكانى بس ..... Slow Motion

كله بيجرى ... فى الأمريكانى .... بيجروا علشان ينقذوا العيان
وفى المصرى ..... بيجروا علشان يدوروا ياإما على الدكتور ....أو على التروللى ... أو على الممرضة الغلبانة علشان يتخانقوا معاها هى إتأخرت ليه فى المعمل أو فى الأشعة
قبل ماأدخل المستشفى قابلت عم مجاهد.... عامل مسن فى قسم الكيمياء فى الكلية... تشوف ضحكته تحس إن الدنيا لسه بخير.... تتكلم معاه تحس إنك عرفت مصر والمصريين السكان الأصليين لها موش بتوع دلوقتى .... وكمان عرفت الإسلام الحقيقى

هذا الرجل له فضل عليا لن أنساه أبدا.... موش لأنه كان بيوصى عليا المعيديين فى الإمتحانات ولا كان بيغششنى نتائج العينات بس فضله عليا لأنه أعطانى أكبر وأهم درس فى حياتى.... ألا وهو.... الرزق الحلال

لم يقل سوى جملتين بس كانوا بالشفاء...... " إنتى رايحة الشغل قلت أيوه ياعم مجاهد.... قالى أأأأأأه طب خلى بالك بقى ...إنتى طول عمرك بتأكلى من مال حلال علشان شقى أهلك فيه.... دلوقتى بقى ياتفضلى تأكلى مال حلال ده إذا أديتى شغلك كما يجب ....أو حتأكلى مال حرام إذا طنشتى وقلتى على قد فلوسهم "

درس عمرى مانسيته.... كل يوم ...فى أى مكان شغل ...لإنى غاوية شغل ومتشحططة فى بلاد المسلمين

وده هو اللى خلانى دايما أسمع كلمات زى .... هى فاكرة دى مستشفى أبوها.... ماتسيبيها تولع.... إنت لكى تعملى اللى عليكى وبس.... وكانت " اللى عليكى دى " هى مربط الفرس

اللى عليكى.... بالنسبة للصيادلة...هو مجرد صرف التذاكر أو التحكم البايخ فى الممرضات والعمال

واللى عليكى ....بالنسبة للأطباء..... هو ....إصرفى وإنتى ساكتة

واللى عليكى .... بالنسبة للمدير .... هو...... خليكى عينى على الأطباء النواب علشان أطلع عينهم

أما بقى اللى عليكى بالنسبة لى فكان ..... " فليغيره بيده "
طبعا لم يكن الأمر وردى لأن التوصيف العملى لماهية دور الصيدلى بالذات فى المستشفيات = صفر.... إن مكانشى تحته

ونتيجة لهذا تحول المدير إلى رئيس لجنة فض المنازعات ومكتبه إلى دار القضاء العالى

وده كان تانى درس......... عاوزة الثواب أحسنى وأخلصى النية لله وإتوكلى عليه وهو موش حيسيبك أبدا

فعلا أخلصت نيتى لله أن يكون وقتى بالمستشفى لمساعدة الغلابة وبس

لأنها كانت نقلة حضارية فظيعة بالنسبة لى.... حيث أنى كنت أعد عائلتى من الطبقة المتوسطة ...يمكن لأننا لا نحيا فيللا ولا نحدث سياراتنا سنويا ولا ولا ولا...

ولكن منذ أول يوم فى الطوارئ شعرت بأننا من الطبقة اللى فوووووووووووووووووووووووووق قوى

عندما تجد أن 10 جنيه التى أشترى بها مجلة وأنا ذاهبة للعمل أو شريط كاسيت ( لأن أيامها مكانشى فيه سيديهات )..أو أى شئ هايف أخر...هى نفس ال 10 جنيه التى تكون دخل أسرة يوميا او يمكن أقل

هى نفس ال 10 جنيه التى ستكون فطار وغذاء وعشاء لأسرة من 4 أو 5 أفراد

وهكذا بدأت نظرتى للأشياء تتغير تماما..... إكتئبت لفترة ولكن تحول الإكتئاب بعدها لشئ عملى
حادث سيارة لصديق ...نجا منه بأعجوبة وقرر أن يعطينى 150 جنيه لأعطيهم بدورى لمريض فقير أو أشترى له علاج غير متوفر بالمستشفى.....

الكلام ده كان فى أبريل 2001...... وحتى كتابة هذه السطور لم يمر على يوم لا أملك فيه مال يتبرع بيه أناس أعرفهم ولا أعرفهم أحيانا كثيرة

يقل وينقص ويزيد ويتضخم ولكن أبدا لا يكون الرصيد صفر...ولا يوم لمدة 7 سنوات
وهذا كان الدرس الثالث..... الرزق بيد الله وحده .... وبييجى لحد صاحبه

كثيرا ما كنت تمر على أيام تبلغنى فيها الحكيمات أو السادة الزملاء الأطباء بأنه هناك حالة محتاجة علاج مكلف جدا وهو فقير ولا يملكه.... وتكون المصادفة السيئة أننى لا أملك المال الكافى فى ذلك الوقت..... وأظل أفكر ماذا أفعل وبمن أستعين

وفجأة.....

يطرق باب مكتبى شخص لا أعرف من هو ويقول لى ...حضرتك دكتورة فلانة..... أقول نعم أنا... أيوه... أى خدمة!!!!1
يقولى طب أستاذ فلان ( الذى لا أعرفه أصلا ) مرسل لك هذا الظرف .... أفتح الظرف ألاقيه المبلغ المطلوب للمريض الفقير بالظبط

أقسم بالله العظيم أن هذا الموقف ليس من نسيج خيالى ولكن حدث وتكرر أكثر من مرة

وأعود لمنزلى لا أملك فلوس تبرعات أخرى وتانى يوم نفس السيناريو لمريض أخر

لذا تعلمت ..... أرفع يدى لفوووووووووووق وأقول يارب أرزقنى.... وبما إنه هو الرزاق يبقى ماينفعشى أكذب ولا أغش ولا أسرق ولا أعمل حاجة حرام وأقول ماهو علشان أحسن دخلى


أعتز جدا بهذا الموقف وأهديه دائما لصديقاتى اللاتى يعملن فى مجال السياحة والطيران بالذات ويرفضوا إرتداء الحجاب حتى لا يفقدوا عملهم .... وأهديه لأى حد قد ينسى يوما أن .... الرزق بتاع ربنا .... واللى بتاع ربنا مابيجيش غير بطاعة ربنا ..... وحلال ربنا

سلاموا عليكم



الخميس، 29 مايو 2008

ملائكة الجحيم....


ملائكة الجحيم .....عنوان دائم لروايات أدهم صبرى التى كانت مقررة على جيلى ...
تذكرت ذلك العنوان عندما رأيتها لأول مرة... مدام إنشراح...حكيمة حكيمات الإستقبال...وذلك لحضورها الطاغى ...حجما ...ووزنا....وصوتا!!!

وتوالى ظهور باقى الملائكة الزميلات لمدام إنشراح....وفعلا وجدت أن وصف ملائكة الجحيم هى الأقرب إلى الصحة من تسمية ملائكة الرحمة...
وبدأت أنكمش وأتقوقع... فأنا لن أكون أبدا الطرف الفائز فى أى نقاش بينى وبينهم ...( ولا أقول خناقة)... وذلك لعدم إمتلاكى لإمكانيات الخصم...

فأنا حجما ...لمبة نيون فيليبس ...
ووزنا .... ورقة كراسة....
وصوتا... حنفية من غير جلدة و بتنقط
لذا أثرت السلامة وإبتعدت طواعية....و لكن الآن بعد كل تلك السنوات فى المستشفى ...وبعد أن أصبحت كل هؤلاء الممرضات أصدقائى الأوفياء الطيبيين أجد نفسى مضطرة للإعتذار لهن على سوء ظنى بهن وحكمى المتسرع عليهن

الممرضات فى مصر.... فئة أخرى مهمشة ومهضومة الحقوق....
أولا تختلف تسميتهن من مكان لأخر....

فالممرضة فى المستشفى الخاص هى.... NURSE... وذلك من أحد البنود التى ترفع سعر الفاتورة للمريض... ولما لا وهو تقوم على رعايته ( نيرس بحالها ) موش ممرضة !
اما بقى فى المستشفيات الحكومية بتاعة الغلابة فهى تسمى حكيمة.... وهو ليس إشتقاق من الحكمة ولكن كما قال سعيد صالح ... حكيمة علشان بتدى حقن!!!
أما بقى فى الأدب العربى الذى قد إنتهى بإنتهاء موسم الأدب وبداية عهد قلة الأدب فى مصر... فهى كانت تسمى ممرضة ومشتقة من التمريض
ومهما كانوا فهن فئة فعلا مسكينة.....
فى مستشفى الطوارئ مئات الحكيمات ... كل واحدة تحمل هموم الدنيا ...وخلف باب بيت كل واحدة مآسى لا نهاية لها وميلودراما عميقة و غميقة

فى مستشفى الطوارئ قد يتبدى للزائر- أول موظف أول مرة كما كنت - أنهن باردات الحس وبليدات الشعور وبطيئات وكسولات ويمكن كمان يتفهم إنهن بيأكلوا المرضى ... ولكن الحقيقة بعيدة عن هذا تماما... كل مافى الأمر أنهن ...متعودة ... داااااااايما......
والله لا أقصد متعودة...داااايما بتاعة عادل إمام ولكن فعلا طبيعة العمل فى مكان مأساوى زى الطوارئ يجعل الشخص يصاب بالصدمة أولا...
ثم تقلب لتكون إكتئاب حاد...
ثم يكون موش حاد قوى ...
ثم يكون إنفصال عمايحدث ...يكون موش تام قوى
ثم يكون تااااااااااااااام
وهذا مايحدث للجميع فى الأماكن المنكوبة كالعناية المركزة والطوارئ والأورام ... إلخ
وبمرور الوقت وجدت أن غاية ما تطلبه تلك الفئة هو الإحترام والمعاملة الحسنة..... ولا أعلم لماذا لا يحصلوا عليها فى معظم الأحيان.... فالممرضة هى شريك أساسى فى الرعاية الصحية وهى من يتوقف عليه نتيجة جهد كل الأطباء فلماذا تعامل الممرضة فى مصر على أنها درجة عاشرة ولا بلاش نقول تعامل كما لو كانت بتشتغل عند الدكتور ... موش بتشتغل معاه!!!

وكان دائما هناك مشهد يهزنى بعنف... وهو أثناء الحوادث والإستقبال مقلوب رأسا على عقب .... تجد ممرضة حامل فى الشهور الأخيرة تجرى هنا وهناك وتحمل أشعة وتحاليل وتقارير....إلخ ، فى حين أن إحدى زميلاتى كانت حامل وقامت ضاربة أجازة 100يوم علشان لسه بتتوحم وهتبقى حامل... وعلشان إحنا (( فوارغ )) وموش حوامل فعلينا القيام بشغل تلك الزميلة فوق دماغنا



وبعد كل تلك السنوات....تحية حارة لحكيمات مستشفى الطوارئ أجدع ناس وكل واحدة منهن اللى بمليون راجل

الأحد، 25 مايو 2008

بداية الحدوتة....


كان من المفروض أن أعمل بكلية الصيدلة… فى أحد الوحدات ذات الطابع الخاص … وخصوصيتها تلك لا تعنى شئ سوى أنها لا ينطبق عليها القوانين العقيمة التى تتحكم فى أى جهاز حكومى…


وكنت دائما أتساءل… ” طب لما هى قوانبن عقيمة وبتعطل المراكب السايرة… ماسكين فيها ليه؟؟؟


“ولأن الوصول للقمر أسهل من تغيير القوانين العقيمة فى مصر … ( موش عارفة يمكن تكون ورث فرعونى ولا حاجة وماينفعشى يتباع !!!)… فكان لذلك كل منشاة حكومية عايزة تمشى أمورها… تعمل وحدات ذات طابع خاص !


وكان من المفروض أن أقضى أولا فترة فى المستشفيات الجامعية ثم أنتقل للعمل بالكلية…ومن هنا تبدأ الحدوتة…


ذهبت لتقديم أوراقى للسيدة الفاضلة مديرة الصيادلة بالمستشفى … والتى قال لى والدى إنه كلمها وأنها معرفة قديمة وأنه كان مديرها لسنوات طويلة….و..و..و… ” ومتخافيش إنت متوصى عليكى قوى “….. خلى بالكم من الجملة دى علشان حنعوزها بعد كده كتيير


وذهبت فعلا ومعى صديقتى شيماء…. وطول الطريق أقول لها إنها سيدة فاضلة… وموش حترفض طلبنا و…. و… و.. و ” متخافيش إحنا متوصى علينا قوى”


دخلنا مكتبها وقدمنا أنفسنا…. ونظرت لى وقالت …” أنا موش عارفة إنت غاوية تعب ليه ؟؟.. ما تشوفى شغل جنب بيتكم … ولا تساعدى والدك فى صيدليته”….


طبعا شكلى كان هباب * هباب قدام شيماء… وقلت فى عقلى …” يمكن يابت يا ميرو بتختبرك علشان تشوفك بتحبى الشغل ولا لأ “… و قلت ردود بليغة وأفضت وإستفضت…. ونظرت لى قائلة ” عموما متخافيش إنتى متوصى عليكى قوى “


وردت فيا الروح وقلت لشيماء …شوفتى … موش قلت لك” متخافيش إحنا متوصى علينا قوى”


ذهبنا تانى يوم لتسلم العمل … وبدأت الدكتورة المديرة فى توزيعنا للعمل بالصيدليات المختلفة بالمستشفى…. وبدأت بالجميع وإنتهت بى قائلة … ” أما إنتى بقى ياأميرة …بما إنك قاعدة معانا أيام حتى تنتقلى للكلية فمكان عملك حيكون…. مستشفى الطوارئ “



ساعتها إفتكرت مسلسل ” إى . أر ” ER وإفتكرت جورج كلونى وقلت يااااااااه وماله يا دكتورة… أنا بحب الشغل ( بالذات لو كان مع جورج كلونى ) وأى مكان عندى كويس

شيماء قرصتنى فى ذراعى …. وقالت لى …” الله يخرب بيتك طوارئ إيه …ده شغلها منيل “قلتلها … يا بنتى متخافيش أكيد ده مكان كويس …” إنتى نسيتى إن إحنا متوصى علينا قوى؟”

أول يوم فى الطوارئ…. قالوا لى المدير عاوزكوا… طلعنا 5 أدوار… ودخلنا مكتبه....مكتب طوووووويل وكنب وكراسى على الجانبين وعليهم ناس تحمل وجوههم إبتسامات صفراء ولسان حالهم بيقول… ” يا عينى هما دول الضحايا – قصدى الصيادلة – الجدد “
وفى أخر المكتب يجلس المدير ويدخن سيجاره … أول ما شوفته إفتكرت شين كونرى… ثم قالى :- ” إنتى بنت الدكتور فلان؟..قلت أيوه يافندم … قالى ياأهلا ياأهلا… ده أنا وبابا معرفة قديمة قوى”…
طبعا حسيت بقلبى اللى كان فى رجلى طلع ووصل لمكانه تانى…وقلت يا فرج الله ده التوصية كده بقت مضاعفة…
ثم كشر عن أنيابه وأردف قائلا…” بصوا بقى… أنا مبحبش الدلع… ولا شغل الستات أصلا… ولا الأجازات … ولا أذونات التأخير… ولاالشكاوى… ولا… ولا ..إلخ…. عموما أنتم أول صيادلة معانا هنا لأن محدش بيرضى يجيى يشتغل فى الطوارئ…. وإنتم خارجين السكرتيرة حتديكم جدول النوبنجيات

وهنا بقى شيماء جالها حالة هلع وهياج وذعر و نظرت لى قائلة….” متخافيش … موش كده… إحنا متوصى علينا …موش كده …شفتى التوصية يا فالحة…أنا إيه اللى خلانى أجى معاكى”

وهنا بدأت أراجع حساباتى مع نفسى … هو أنا عملت فى بابا إيه علشان يوصى عليا كده.
وإضطررت صاغرة لقبول الوضع حتى تنتهى المدة المقررة لأنتقل من السجن الحربى ده للعمل بكلية الصيدلة..........

آآآآآه …نسيت أقولكم….
المديرة توفت الله يرحمها …
وعميد الكلية توفى الله يرحمه…
والعميد اللى جاء بعده توفى الله يرحمه…
ووكيل الكلية - صاحب فكرة العمل بالكلية - أصيب بالسرطان وسافر للعلاج…
والوحدة ذات الطابع الخاص إتقفلت لفشلها….
يعنى كل اللى كانوا فى الفيلم ماتوا أو إتدمروا … وفضلت أنا أعمل فى مستشفى الطوارئ الجامعى الذى تحول بدوره ليكون مثل قانون الطوارئ الأبدى!!!!

وكل ده علشان بابا وصى عليا …قوى!!!

الخميس، 22 مايو 2008


أعشق اللغة العامية المصرية…. المصريين لديهم قدرة غير معقولة على نحت كلمات معبرة تمس القلب …تحمل كل الموروث العاطفى للشعب المصرى وتصيغه فى ألفاظ تخرج من القلب وتصل إلى القلب.
إنشالله يخليكى… جملة تعنى أن قائلها يتمنى العمر المديد لمتلقيها… أعشق تلك الجملة…ليس لأنى أتمنى العمر المديد… حيث إن كل أفراد جيلى لا يتمنى لا العمر المديد ولا السعيد فى ظل ذلك الحكم الرشيد الذى ( يقصف ) عمر المصريين !
ولكنى أحب تلك الكلمة لأنى دائما ما أسمعها من المرضى الفقراء فى المستشفى التى أعمل بها عندما أقدم لهم أى خدمة… أو أوفر لهم أى علاج لا يستطيعون الحصول عليه… أو عندما أجد حل لمشكلة طبية يواجهوها.
أدمنت تلك الكلمة وإرتبطت فى ذهنى بإبتسامة مريض تقول دموعه المتحجرة من قسوة الفقر والمرض والعجز كلام أبلغ من أى مقالة تشيد بالحكومة الإلكترونية وإنجازات لجنة السياسات.
أعمل بمستشفى الطوارئ الجامعى …. صيدلانية…. وأحيانا باحث إجتماعى…
… وأعشق رائحة الدواء والديتول والبيتادين…والتى تشبه رائحة عطور (إيف سان لوران ) مع تغير بسيط فى الكلمة الأولى لتصبح… ( أووووف سان أتران )!!!
وأعشق تلك الكلمة… إنشالله يخليكى …. يا … ( داااكتورة )!!!