الأحد، 22 فبراير 2009

امنية حسن ....(3)




كنت قد حزمت أمرى على الذهاب لها فى المستشفى وكان أمامى مشكلتين عويصتين

اولا المبلغ الذى سمعته فى الحلم لم يكن معى كله......فتلك الألفى جنيه لم تكن متوفرة وقتها من فلوس التبرعات التى يرسلها الله لى عن طريق عباده الذين يحبون الخير ويثقون فى أنى سأحسن التصرف فى تلك الأموال كمندوبة عنهم

ولم تكن مشكلة عويصة قوى الحقيقة لأن المبلغ الموجود كان ينقصه بعض المئات فقط لتتم الألفين جنيه وقلت سهلة حاطلبهم من والدى حتى أحصل على مرتبى بعد أيام وأردهم له كيلا أتأخر على الذهاب للفتاة

المشكلة الثانية كانت هو الأصعب ...
عندما ذهبت الموظفة لمنزل الفتاة لم تجد أحد بالمنزل ولكن كل ماحصلت عليه من معلومات كان من الجيران بالتالى فلا أحد يعلم تحديدا إذا كانت فى مستشفى عين شمس التخصصى أو فى الدمرداش وكذلك لا أحد يعلم فى أى قسم هى محجوزة هل هو قسم جراحات الأورام أم قسم جراحات المخ والأعصاب...ومحاولة البحث عنها فى تلك المستشفيات كلها كمن يبحث عن إبرة فى كومة قش فعلا

المهم توكلت على الله وقلت خلاص ربنا أكيد حيسهل وصولى لها
وقررت الذهاب يوم الجمعة 29 مارس صباحا أثناء ميعاد الزيارة لأتمكن من البحث عنها

يوم الأربعاء مساء كنت فى زيارة عائلية ..وتحدثت مع ربة الأسرة عن أخبارى وأحوالى وعملى فى مكانين مختلفين تماما ...و...و... ثم فؤجئت بالسيدة الطيبة تقول لى

" أميرة من فضلك خدى المبلغ ده معاكى لو لقيت عيان غلبان فى المستشفى محتاج علاج إشتريه له"

شكرتها وقلت يافرج الله ...هانت والمبلغ قرب يتم


يوم الخميس كنت فى الجامعة الأمريكية لأداء بعض الأعمال وتوديع صديق كان يستعد للهجرة وجلست معه وتحدثنا كثيرا وخلال الحديث عرف بمشوارى صبيحة اليوم التالى لأنى سألته وهو خريج كلية طب عين شمس عن كيفية أن أتوصل للفتاة فى تلك المنشآت التى تشبه سيتى ستارز !!!

فى نهاية الحديث وبينما كنت أستعد للمغادرة فاجئنى صديقى بقوله " أميرة أنا كنت أتمنى أن أذهب معك غدا ولكن للسف وقتى ضيق جدا وورائى إلتزامات كثيرة للسفر ...ممكن لو سمحتى وتكرمتى تضيفى هذا المبلغ للمال الذى ستذهبين به للفتاة "

وكان ما أخرجه من جيبه هو بالتمام والكمال ماينقصنى ليتم المال 2000 جنيه

لم أنطق بكلمة ولكنى نظرت أليه طويلا متأثرة بمافعله وحاولت متحرجة شكره وعدم قبوله وسألنى لماذا أنت مندهشة
هل أنت مندهشة لأنى مسيحى وتلك الفتاة مسلمة ؟؟؟..... تلعثمت فعلا ولم أستطع الكلام
وهمهمت بكلمات مقتضبة وقلت له أعتقد أنك تفضل أن تخرج ذلك المبلغ لمريض أخر يكون أكثر إحتياجا
تبسم ذلك الصديق الطيب قلبا وقالبا وقال ...أميرة ... المريض مريض والمحتاج محتاج والغلبان غلبان وربنا هو ربنا والدين لله... إحنا بنعمل الخير لنفسنا علشان ده بينفعنا إحنا قبل مابينفع الناس التانية... المهم ربنا يقبله

ذهبت صبيحة يوم الجمعة لأمنية وتهت بين المستشفيات والأقسام المختلفة حتى ظننت أنى لن أجدها وعنده كان آذان صلاة الجمعة رفعت يدى للسماء وطلبت من الله " يارب .... كل واحد دفع مليم فى الفلوس دى كان يقصد يطهر نفسه ونفسه تقبل منه وترضى عنه.... إذا كنت تقبلت من كل الناس دى يارب إهدينى لها والاقيها...وإذا كنت لم تقبل من أحد منا إصلح حاله حتى ترضى يارب ونلاقى البنت الغلبانة دى"

لم أكد أنزل يدى وأنا شبه يائسة حتى فؤجئت أمامى بممرضة ضئيلة الحجم تنده عليا من أخر طرقة المستشفى ...يا أبلة يا أبلة ..... إنت دوختينى وراكى .... إنت بتدورى على البنت بتاعة المحلة الكبرى.... قلتلها أيوة ...قالتلى طيب إدخلى العنبر اللى جنبك يمين فى شمال ثم أول سرير أمامك

إستدرت....دخلت ..... يمين ....شمال.... عنبر وستائر حول الأسرة
قلت وأنا اتجه لأول ستارة لأزحيها عن السرير ...تقبل يارب ...تقبل يارب ...يارب تقبل

أزحت الستارة ........ووجدتها !

إنفجرت فى البكاء وإحتضنتها قائلة ياشيخة دوختينى وراكى


..................................

سافر صديقى بعدها بأيام ولت أتمكن من توديعه ثانية ولكنى قبل ركوبه الطائرة بدقائق حادثته وقلت له لا تخاف من الدنيا الجديدة اللى انت رايح لها ....ربنا معاك وتقبل منك
بعدها ولمدة سنتين مرت على هجرته كلما يهاتفنى من مهجره يصف لى غير مصدق كم يسهل له الله كل شئ كما لو كان له واسطة أو يحمل كارت توصية من الأمم المتحدة..ويختتم كلامه ... سلملى لى على أمنية

ثم جاء يوم إشتد عليها الألم بعد إحراء العملية بشهور وتذكرت أنه كان لديها موعد للكشف عند ذلك الطبيب المشهور وإتصلت بالعيادة لتجديد ميعاد الكشف وطلبوا منها الجضور وقتما تستطيع

طبعا كانت مأساة لنقلها من المنزل بعد عملية خطيرة فى العمود الفقرى لمستشفى فى القاهرة التى تبعد عن منزلها نحو 120 كيلو متر

ولكن فاعل خير تطوع بنقلها بسيارة إسعاف مجهزة وكان ميعاد الكشف عند الطبيب هو الثانية عشر مساء

ذهبت أمنية وبمجرد دخولها للطبيب المشهور د.عمرو صفوت رئيس قسم المخ والأعصاب وقتها بالقصر العينى ...أصر على عدم تحركها وجلس هو على الأرض بجوارها ليتم الكشف عليها

أصر ذلك الطبيب الإنسان أن يعيد لها ثمن الكشف وكان حوالى 200 جنيه وقام فورا بإلإتصال بمستشفى لإيجاد سرير خالى لها على حسابه ...وبعد 4 ساعات كاملة قام بالذهاب معها للمستشفى وقام بدفع تكاليفها وتكاليف الإسعاف الذى نقلها !!!!!!!!!1

ثم قام بترتيب العملية لها وإختفى من حياتها دون أن يسمع كلمة شكر واحدة كما لو كان ملاك حارس ظهر لعلاجها وتكليف تلميذه بمتابعتها ثم ذهب ليبحث عن مريض أخر ينقذه

كم أتمنى أن أقابل ذلك الطبيب الإنسان لأشد على يده

ثم بعد سنوات عدة سمعت إسمه بالمصادفة فى برنامج البيت بيتك لمحمود سعد يقول أنه الآن مسؤل عن قسم المخ والأعصاب بمستشفى أبو الريش ويقوم بحملة لجمع التبرعات لوحدة حديثة به لخدمة الأطفال المرضى

يا الله ....... كم هو بسيط الخير فى المجهود الذى يبذل فيه وعظيم فى أثاره على الناس وصلاح الأرض

وكم كنت أنت كنز للجميع يا أمنية

ليست هناك تعليقات: